ثم يتناول القرآن أحد علامات المؤمنين والمنافقين ، فيقول : (لَايَسْتْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ).
بل ينهضون مسرعين دون سأم أو ملل عند صدور الأمر بالجهاد ويدعوهم الإيمان بالله واليوم الآخر ومسؤولياتهم وإيمانهم بمحكمة القيامة ، كل ذلك يدعوهم إلى هذا الطريق ويوصد بوجوههم الأعذار والحجج الواهية : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).
ثمّ يضيف القرآن : (إِنَّمَا يَسْتْذِنُكَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ).
ويعقّب مؤكّداً عدم إيمانهم بالقول : (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ).
وهاتان العلامتان لا تختصان بالمؤمنين والمنافقين في صدر الإسلام ومعركة تبوك فحسب ، بل يمكن في عصرنا الحاضر أن نميز المؤمنين الصادقين من المدّعين الكاذبين بهاتين الصفتين. فالمؤمن شجاع ذو إرادة وتصميم وخطى واثقة ، والمنافق جبان وخائف ومتردد وحائر ويبحث عن المعاذير دائماً.
(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) (٤٨)
عدم وجودهم أفضل : في الآية الاولى ـ من الآيات أعلاه ـ بيان لعلامة اخرى من علائم كذبهم ، وهي في الحقيقة تكمل البحث الوارد في الآيات المتقدمة آنفاً ، إذ جاء فيها (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ). فالآية محل البحث تقول : (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) ولم ينتظروا الإذن لهم : (وَلكِن كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (١).
هذا أمر تكويني نهض من باطنهم المظلم ، وإنّه مقتضى عقيدتهم الفاسدة وأعمالهم القبيحة ، ويستفاد من الآية محل البحث أنّ لكل عمل ونيّة اقتضاءً يُبتلى به الإنسان شاء أم
__________________
(١) «ثبّطهم» : مشتق من التثبيط ويعني الوقوف بوجه العمل المزمع إجراؤه بوجه من الوجوه.