مريض ، ويقول الآخر : إنّي مبتلىً بطفلي ، ويقول الثالث : زوجي مُقرب وعلى وشك الولادة ، ويقول الرابع : يا ليتني كنت معكم لولا ضعف في عينيّ لا أبصر بهما ، ويقول الخامس : أنا أتدارك مقدمات الأمر وأنا على أثركم ، وهكذا ....
إلّا أنّ على القادة والصفوة من الناس أن يعرفوا هذه الفئة من بداية الأمر ، وإذا لم يكونوا أهلاً للإصلاح فينبغي إخراجهم وطردهم من صفوف المجاهدين.
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٤٥)
التعرّف على المنافقين : يستفاد من الآيات ـ محل البحث ـ أنّ جماعة من المنافقين جاؤوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله وبعد أن تذرعوا بحجج واهية مختلفة ـ حتى أنّهم أقسموا على صدق مدعاهم ـ إستأذنوا النبي في الانصراف عن المساهمة في معركة تبوك ، فأذن لهم النبي بالإنصراف. فالله سبحانه يعتب على النبي في الآية الاولى من الآيات محل البحث فيقول : (عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ).
وهناك كلام طويل بين المفسّرين في المراد من عتاب الله نبيّه المشفوع بالعفو عنه ، أهو دليل على أنّ إذن النبي صلىاللهعليهوآله كان مخالفة ، أم هو من باب ترك الاولى؟!
يُحتمل في تفسير الآية هو أنّ العتاب أو الخطاب المذكور آنفاً إنّما هو على سبيل الكناية ، ولم يكن في الأمر حتى «ترك الاولى» بل المراد بيان روح النفاق في المنافقين ببيان لطيف وكناية في المقام.
ويمكن أن يتّضح هذا الموضوع بذكر مثال ، فلنفرض أنّ ظالماً يريد أن يلطم وجه ابنك ، إلّا أنّ أحد أصدقائك يحول بينه وبين مراده فيمسك يده ، فقد تكون راضياً عن سلوكه هذا ، بل وتشعر بالسرور الباطني ، إلّاأنّك ولإثبات القبح الباطني للطرف المقابل تقول لصديقك : لم لا تركته يضربه على وجهه ويلطمه؟ وهدفك من هذا البيان إنّما هو إثبات قساوة قلب هذا الظالم ونفاقه ، الذي ورد في ثوب عتاب الصديق وملامته من قِبَلك.