(أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي : في سلوك بعد ولم يصل إلى الشهود الذاتيّ ، فعليه مراتب أخر يقطعها حتى يصل إلى ذلك المقام (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) بالوصول إلى مقام التوحيد والامتداد بقدرة الله (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أي : تكلف الأفعال بالنفس الضعيفة العاجزة (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) ولتتموا تلك المراتب والأحوال والمقامات الموصلة. ولتعظموا الله وتعرفوا عظمته وكبرياءه على هدايته إياكم إلى مقام الجمع (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) بالاستقامة أمركم بذلك.
[١٨٦] (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦))
(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي) السالكون الطالبون المتوجهون إليّ ، عن معرفتي (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ظاهر (أُجِيبُ دَعْوَةَ) من يدعوني بلسان الحال والاستعداد بإعطائه ما اقتضى حاله واستعداده (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) بتصفية الاستعداد بالزهد والعبادة ، فإني أدعوهم إلى نفسي وأعلمهم كيفية السلوك إليّ ، وليشاهدوني عند التصفية ، فإني أتجلّى عليهم في مرائي قلوبهم لكي يرشدوا بالاستقامة ، أي : لكي يستقيموا ويصلحوا.
[١٨٧] (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧))
(أُحِلَّ لَكُمْ) أي : أبيح لكم (لَيْلَةَ الصِّيامِ) أي : في وقت الغفلة الذي يتخلل ذلك الإمساك المذكور في زمان حضوركم (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) التنزّل إلى مقارفة نفوسكم بحظوظها إذ لا مصابرة لكم عنها لكونها تلابسكم وكونكم تلابسونها بالتعلق الضروري (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) باستراق الحظوظ في أزمنة تلك السلوك والرياضة والحضور (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ) أي : في وقت الاستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء (بَاشِرُوهُنَ) في أوقات الغفلات (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) من التقوى والتمكن بتلك الحظوظ على توفير حقوق الاستقامة والقيام بما أمر الله به من العبودية والدعوة إليه (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) أي : كونوا مع رفقها (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) حتى تظهر عليكم بوادي الحضور ولوامعه وتغلب آثاره وأنواره على سواد الغفلة وظلمتها ، ثم كونوا على الإمساك المذكور بالحضور مع الحق حتى يأتي زمان الغفلة ، لو لا ذلك لما أمكنه القيام بمصالح معاشه ومهماته. ولا تقاربوهن في حال كونكم معتكفين مقيمين حاضرين في