فيخطوا أبدا في مجال تلك الظلال إلى جوانب الإسرافات وحيث يعجز فإلى جوانب التفريطات كما في المحبة والألفة ، ولهذا قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : «لا ترى الجاهل إلا مفرطا أو مفرّطا» ، فإن الجاهل سخرة الشيطان.
[١٦٩ ـ ١٧٠] (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠))
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ) الإضرار والأذى الذي هو إفراط القوة الغضبية (وَالْفَحْشاءِ) أي : القبائح التي هي إفراط القوّة الشهوانية (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) الذي هو إفراط القوّة النطقية لشوب العقل بالوهم الذي هو الشيطان المسخر له (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من مراعاة حدّ الاعتدال والعدالة في كلّ شيء على الوجه المأمور به في الشرع (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من الإسرافات المذمومة في الجاهلية تقليدا لهم (أَ) تتبعونهم (وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) من الدين والعلم (وَلا يَهْتَدُونَ) إلى الصواب في العمل لجهلهم.
[١٧١ ـ ١٧٢] (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢))
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : مثل داعي الكفار المردودين (كَمَثَلِ) الناعق بالبهائم فإنها لا تسمع إلا صوتا ولا تفهم ما معناه فكذا حالهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إن كنتم موحدين تخصون العبادة بالله فلا تتناولوا إلا من طيبات ما رزقناكم ، أي : ما ينبغي في العدالة أن يستعمل من المرزوقات (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) باستعمالها فيما يجب أن تستعمل على الوجه الذي ينبغي أن تستعمل بالقدر الذي ينبغي ، فإنّ التوحيد يقتضي مراعاة الاعتدال والعدالة في كل شيء اقتضاء الذات ظلها ولازمها عن النبي صلىاللهعليهوسلم عن الله تعالى : «إني والجنّ والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري».
[١٧٣ ـ ١٧٦] (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦))