والقلوب والعقول
وأرض النفوس (وَاخْتِلافِ) النور والظلمة بينهما وفلك البدن التي تجري في بحر الجسم
المطلق (بِما يَنْفَعُ
النَّاسَ) في كسب كمالاتهم (وَما أَنْزَلَ اللهُ
مِنَ السَّماءِ) أي : الروح من ماء العلم (فَأَحْيا بِهِ) أرض النفس بعد موتها بالجهل (وَبَثَّ فِيها مِنْ
كُلِّ دَابَّةٍ) القوى الحيوانية الحية بحياة القلب (وَتَصْرِيفِ) عصوف زيادة الأفعال الحقانية ، وسحاب تجلي الصفات الربانية
المسخر المهيأ بين سماء الروح وأرض النفس (لَآياتٍ) لدلائل (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) بالعقل المنوّر بنور الشرع ، المجرّد عن شوب الوهم.
[١٦٥ ـ ١٦٧] (وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ
يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا
وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا
مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ
بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧))
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) أي : من يعبد من دون الله أشياء إمّا أناسيّ من جنسهم
كالأزواج ، والأولاد ، والآباء ، والأجداد ، والإخوان ، والأحباب ، والرؤساء ،
والملوك ، وغيرهم. وإمّا غير أناسيّ كالحيوانات ، والجمادات ، وسائر أموالهم ،
بالإقبال عليهم والتوجه نحوهم ، ومراعاتهم ، وحفظهم ، والاهتمام بهم وبحالهم ،
والتفكّر في بابهم ، يحبونهم كحبهم الله ، أي : كما يجب أن يحب الله ، فتكون تلك
الأشياء عندهم مساوية في المحبة مع الله فتكون أندادا أو شركاء لله بالنسبة إليهم ،
أو تكون هي محبوباتهم ومعبوداتهم لا غير ، فهي آلهتهم كما أن الله إله الخلق فهم
جعلوا لأنفسهم آلهة أندادا لإله سائر الخلق ، إله العالمين.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) من غيره لأنهم لا يحبون إلا الله ، لا يختلط حبهم له بحب
غيره ولا يتغير ، ويحبون الأشياء بمحبة الله ولله ، وبقدر ما يجدون فيها من الجهة
الإلهية كما قال بعضهم : «الحق حبيبنا ، والخلق حبيبنا وإذا اختلفا فالحق أحبّ
إلينا» أي : إذا لم تبق جهة الإلهية فيهم بمخالفتهم إياه لم تبق محبتنا لهم ، أو
أشدّ حبا من محبتهم لآلهتهم لأنهم يحبون الأشياء بأنفسهم لأنفسهم ، فلا جرم تتغير
محبتهم بتغيير إعراض النفوس أنفسهم عند خوف الهلاك ومضرّة النفس عليهم والمؤمنون
يحبون الله بأرواحهم وقلوبهم ، بل بالله لله ، لا تتغير محبتهم لكونها لا لغرض ،
ويبذلون أرواحهم وأنفسهم لوجهه ورضاه ، ويتركون جميع مراداتهم لمراده ويحبون
أفعاله وإن كانت بخلاف هواهم ، كما قال أحدهم :
أريد وصاله
ويريد هجري
|
|
فأترك ما أريد
لما يريد
|