[١٢٦] (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦))
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا) الصدر الذي هو حرم القلب (بَلَداً آمِناً) من استيلاء صفات النفس واغتيال العدوّ اللعين ، وتخطف جنّ القوى البدنية أهله (وَارْزُقْ أَهْلَهُ) من ثمرات معارف الروح أو حكمه وأنواره (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) من وحد الله منهم وعلم المعاد (قالَ وَمَنْ كَفَرَ) أي : ومن احتجب أيضا من الذين سكنوا الصدر ولا يجاوزون حدّه بالترقي إلى مقام العين لاحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر (فَأُمَتِّعُهُ) تمتيعا (قَلِيلاً) من المعاني العقلية ، والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على قدر ما تعيشوا به (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ) نار الحرمان والحجاب (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) مصيرهم ، لتعذبهم بنقصانهم وتألمهم بحرمانهم.
[١٢٧ ـ ١٢٩] (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩))
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) قيل : إنّ الكعبة أنزلت من السماء في زمان آدم ولها بابان إلى المشرق والمغرب ، فحجّ آدم عليهالسلام من أرض الهند واستقبله الملائكة أربعين فرسخا فطاف بالبيت ودخله. ثم رفعت في زمان طوفان نوح عليهالسلام ، ثم أنزلت مرة أخرى في زمان إبراهيم صلوات الله عليه ، فزارها ورفع قواعدها وجعل بأبيها بابا واحدا.
وقيل : ثم تمخض أبو قبيس فانشق عن الحجر الأسود وكان ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة نزل بها جبرائيل فخبئت فيه في زمان الطوفان إلى زمن إبراهيم عليهالسلام ، فوضعه إبراهيم مكانه ، ثم اسودّ بملامسة النساء الحيض.
فنزولها في زمان آدم إشارة إلى ظهور القلب في زمانه بوجوده عليه. وكونه ذا بابين شرقيّ وغربيّ إشارة إلى ظهور علم المبدأ والمعاد ، ومعرفة عالم النور ، وعالم الظلمة في زمانه دون علم التوحيد. وقصده زيارتها من أرض الهند إشارة إلى توجهه بالتكوين والاعتدال من عالم الطبيعية الجسمانية المظلمة إلى مقام القلب ، واستقبال الملائكة إشارة إلى تعلق القوى الحيوانية والنباتية بالبدن وظهور آثارها فيه قبل آثار القلب في الأربعين التي تكوّنت فيها بنيته وتخمرت طينته أو توجهه بالسير والسلوك من عالم النفس الظلماني إلى مقام القلب. واستقبال الملائكة تلقي القوى النفسانية والبدنية إياه بقبول الإذعان والأخلاق الجميلة