(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) علم التوحيد من المشركين (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) إلى قوله : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) في الجهل بعلم التوحيد وبكلام الله وآياته ، إذ العلم بهما فرع علم التوحيد (قَدْ بَيَّنَّا) دلائل التوحيد وكيفية المكالمة لأهل الإيقان (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أي : ولا تؤخذ باحتجابهم وما عليك أن تنقذهم من ظلمات حجبهم ، إنما عليك أن تدعوهم بالبشارة والإنذار. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي : طريق الوحدة المخصوصة بالحق هو الطريق لا غير. كما قال عليّ عليهالسلام : «اليمين والشمال مضلّة ، والطريق الوسطى هي الجادّة». (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي : من علم التوحيد والمعرفة (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) لامتناع وجود غيره.
[١٢٤ ـ ١٢٥] (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥))
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) أي : بمراتب الروحانيات ، كالقلب والسرّ والروح والخفاء والوحدة والأحوال والمقامات ، التي يعبر بها على تلك المراتب كالتسليم والتوكل والرضا وعلومها (فَأَتَمَّهُنَ) بالسلوك إلى الله وفي الله حتى الفناء (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) بالبقاء بعد الفناء ، والرجوع إلى الخلق من الحق تؤمّهم وتهديهم سلوك سبيلي ويقتدون بك فيهتدون. (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي : واجعل بعض ذرّيتي أيضا إماما (قالَ) قد يكون منهم ظالمون و (لا يَنالُ عَهْدِي) إياهم ، أي : لا يكونون خلفائي ولا أعهد إلى الظالمين بالإمامة (وَإِذْ جَعَلْنَا) بيت القلب (مَثابَةً) أي : مرجعا ومبوّأ (لِلنَّاسِ وَأَمْناً) ومحل أمن أو سبب أمن وسلامة لهم يأمنون بالوصول إليه والسكون فيه شرّ غوائل صفات النفس وفتك فتاك القوى الطبيعية وإفسادها ، وتخييل شياطين الوهم والخيال ، وإغوائهم ومكائدهم (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ) الذي هو مقام الروح ومقام الخلة (مُصَلًّى) موطنا للصلاة الحقيقية التي هي المشاهدة والمواصلة الإلهية والخلة الذوقية (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) أمرناهما بتطهير بيت القلب من قاذورات أحاديث النفس ، ونجاسات وساوس الشيطان ، وأرجاس دواعي الهوى ، وأدناس صفات القوى (لِلطَّائِفِينَ) أي : للسالكين المشتاقين الذين يدورون حول القلب في سيرهم (وَالْعاكِفِينَ) الواصلين إلى مقام القلب بالتوكل الذي هو توحيد الأفعال المقيمين فيه بلا تلوينات النفس وإزعاجها منه (وَالرُّكَّعِ) أي : الخاضعين الذين بلغوا إلى مقام تجلّي الصفات ، وكمال مرتبة الرضا والسجود الفانين في الوحدة.