(قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي) من المعاني الكلية والجزئية الحاصلة بالتجربة والسير في المشرق والمغرب (خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي : عمل وطاعة (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) هو الحكمة العملية والقانون الشرعي.
[٩٦] (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦))
(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) من الصور العملية وأوضاع الأعمال (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) بالتعديل والتقدير (قالَ) للقوى الحيوانية (انْفُخُوا) في هذه الصور نفخ المعاني الجزئية والهيئات النفسانية من فضائل الأخلاق (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) أي : علما برأسه من جملة العلوم يحتوي على بيان كيفية الأعمال (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) النية والقصد الذي يتوسط بين العلم والعمل ، فيتحد به روح العلم وجسد العمل كالروح الحيواني المتوسط بين الروح الإنساني والبدن ، فحصل سدّ ، أي : قاعدة وبنيان من زبر الأعمال ونفخ العلوم والأخلاق وقطر العزائم والنيات ، واطمأنت به النفس وتدّبرت فآمنت.
[٩٧] (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧))
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) ويعلوه لارتفاع شأنه وكونه مشتملا على علوم وحجج لم يمكنهم دفعها والاستيلاء عليها (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) لاستحكامه بالملكات والأعمال والأذكار.
[٩٨] (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨))
(قالَ هذا) السدّ ، أي : القانون (رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) على عباده ، يوجب أمنهم وبقاءهم (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) بالقيامة الصغرى (جَعَلَهُ دَكًّا) باطلا ، منهدما ، لامتناع العمل به عند الموت وخراب الآلات البدنية.
[٩٩] (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩))
(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) بالاضطراب والاختلاط ، أي : تركناهم يختلطون لاجتماعهم في الروح مع عدم الحيلولة (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) للبعث في النشأة الثانية (فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) أو بالقيامة الكبرى حال الفناء وظهور الحق. جعله دكّا لارتفاع العلم والحكمة هناك ، وظهور معنى الحل والإباحة بتجلي الأفعال الإلهية وانتفاء الغير وفعله ، وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ، حيارى ، مختلطين شيئا واحدا لا حراك بهم. ونفخ في الصور بالإيجاد بالوجود الحقّاني حال البقاء فجمعناهم جمعا في التوحيد والاستقامة والتمكين وكونهم بالله لا بأنفسهم.