يمينه يستشيرهم هم العاقلتان والفكر ، والثلاثة الذين كانوا عن يساره يستوزرهم هم التخيل والوهم والذكر ، والراعي هو بنطاسيا صاحب أغنام الحواس ، والذين قالوا هم ثلاثة أرادوا القلب والعاقلتين ، والذين قالوا خمسة زادوا عليهم الفكر والوهم وتركوا المدرك للصور والذكر لعدم تصرفهما وكون كل منهما كالخزانة.
وعلى هذا التأويل فالاطلاع للفئة المحققين من الحضرة الإلهية على بقاء النفس بعد خراب البدن ، والتنازع ، هو التجاذب والتغالب الواقع بين القوى في الاستيلاء على البدن الذي يبعثون فيه وهو البنيان المأمور ببنائه والآمرون هم الغالبون الذين قالوا : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (١) يسجد ، أي : ينقاد فيه جميع القوى الحيوانية والطبيعية والنفسانية والمأمورون هم المغلوبون الفاعلون في البدن المبعوث فيه والله أعلم.
[٢٣ ، ٢٤] (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤))
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) أدّبه بالتأديب الإلهي بعد ما نهاه عن المماراة والسؤال ، فقال : «لا تقولنّ إلا وقت أن يشاء الله»بأن يأذن لك في القول فتكون قائلا به وبمشيئته أو إلا بمشيئته على أنه حال ، أي : ملتبسا بمشيئته ، يعني : لا تقولنّ لما عزمت عليه من فعل إني فاعل ذلك في الزمان المستقبل إلا ملتبسا بمشيئة الله ، قائلا : إن شاء الله ، أي :لا تسند الفعل إلى إرادتك بل إلى إرادة الله ، فتكون فاعلا به ومشيئته (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) بالرجوع إليه والحضور (إِذا نَسِيتَ) بالغفلة عند ظهور النفس والتلوين بظهور صفاتها (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا) أي : من الذكر عند التلوين وإسناد الفعل إلى صفاته بالتمكين والشهود الذاتي المخلص عن حجب الصفات (رَشَداً) استقامة ، وهو التمكين في الشهود الذاتي.
[٢٥ ، ٢٦] (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦))
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) من التي تبتنى على دور القمر فتكون كل سنة شهرا ومجموعها خمسة وعشرون سنة ، وذلك وقت انتباههم وتيقظهم (وَازْدَادُوا تِسْعاً) هي مدة الحمل. وروعيت في الآية نكتة ، هي أنه : لم يقل ثلاثمائة سنة وتسعا ، أو ثلاثمائة وتسع سنين ،
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٢١.