إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير ابن عربي [ ج ١ ]

402/415
*

(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) أي : مثل ذلك البعث والإنامة أطلعنا على حالهم المستعدّين القابلين لهديهم ومعرفة حقائقهم (لِيَعْلَمُوا) بصحبتهم وهدايتهم (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والجزاء (حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أي : حين يتنازع المستعدون الطالبون بينهم أمرهم في المعاد ، فمنهم من يقول : إن البعث مخصوص بالأرواح المجردة دون الأجساد ، ومنهم من يقول : إنه بالأرواح والأجساد معا ، فعلموا بالاطلاع عليهم ومعرفتهم أنه بالأرواح والأجساد وأن المعاد الجسماني حق ، فقالوا : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) أي :فلما توفوا قالوا ذلك كالخانقاهات والمشاهد والمزارات المبنية على الكمل ، المقربين من الأنبياء والأولياء كإبراهيم ومحمد ، وعلى سائر الأنبياء والأولياء عليهم الصلاة والسلام.

(رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) من كلام أتباعهم من أممهم والمقتدين بهم ، أي : هم أجلّ وأعظم شأنا من أن يعرفهم غيرهم ، الموحدون الهالكون في الله ، المتحققون به ، فهو أعلم بهم كماقال تعالى : «أوليائي تحت قبائي ، لا يعرفهم غيري».

(قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) من أصحابهم والذين يلون أمرهم تبركا بهم وبمكانهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) يصلي فيه.

[٢٢] (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢))

(سَيَقُولُونَ) أي : الظاهريون من أهل الكتاب والمسلمين الذين لا علم لهم بالحقائق.

وقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي : رميا بالذي غاب عنهم ، يعني : ظنّا خاليا عن اليقين بعد قولهم : (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) و (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) وتوسيط الواو الدالة على أن الصفة مجامعة للموصوف ولا تفارقه ، وإنه لا عدد وراءه بين قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ) وبين (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). وقوله : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) بعده ، يدل على أنّ العدد هو سبعة لا غير ، فالقليل هم المحققون القائلون به وإن أوّلناهم بالقوى الروحانية فهم العاقلتان : النظرية والعملية ، والفكر والوهم ، والتخيل والذكر ، والحسّ المشترك المسمى بنطاسيا ، والكلب النفس والشمس والروح على كلا التأويلين. ولهذاروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «إنهم كانوا سبعة ، ثلاثة عن يمين الملك وثلاثة عن يساره ، والسابع هو الراعي صاحب الكلب»، فإن صحت الرواية فالملك هو دقيانوس النفس الأمّارة ، والثلاثة الذين كانوا عن