والورق هو ما معهم من العلوم الأولية التي لا تحتاج إلى كسب ، إذ بها تستفاد الحقائق الذهنية من العلوم الحقيقة والمعارف الإلهية. والمدينة محل الاجتماع ، إذ لا بد من الصحبة والتربية أو مدينة العلم منقوله عليهالسلام : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».
وإنما بعثوا أحدهم لأن كمال الكل غير موقوف على التعليم والتعلم بل الكمال الأشرف هو العلمي فيكفي تعلم البعض عن كل فرقة وتنبيه الباقين كما قال تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (١).
(فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أي : أهلها أطيب وأفضل علما وأنقى من الفضول واللغو والظواهر كعلم الخلاف والجدل والنحو وأمثالها التي لا تتقوى ولا تكمل بها النفس كقوله : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)) (٢) ، إذ العلم غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقي الإلهي (وَلْيَتَلَطَّفْ) في اختيار الطعام ومن يشتري منه أي : ليختر المحقق الزكي النفس ، الرشيد السمت ، الفاضل السيرة ، النقي السريرة ، الكامل المكمل دون الفضولي الظاهري الخبيث النفس ، المتعالم ، المتصدّر ، لإفادة ما ليس عنده ليستفيد بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه فيفيدنا أو ليتلطف في أمره حتى لا يشعر بحالكم ودينكم ، جاهل من غير قصد له (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) من أهل الظاهر المحجوبين وسكان عالم الطبيعة المنكرين ، وإن أولنا أصحاب الكهف بالقوى الروحانية فالمبعوث هو الفكر ، والمدينة محل اجتماع القوى الروحانية والنفسانية والطبيعة والذي هو أزكى طعاما العقل دون الوهم والخيال والحواس ، لأن كل مدرك له طعام والرزق هو العلم النظري على كلا التقديرين ، ولا يشعرنّ بكم أحدا من القوى النفسانية.
[٢٠] (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠))
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا) أي : يغلبوا (عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ) بحجارة الأهواء والدواعي من الغضب والشهوة وطلب اللذة فيقتلوكم بمنعكم عن كمالكم (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) باستيلاء الوهم وغلبة الشيطان والإمالة إلى الهوى وعبادة الأوثان وعلى التأويل الأول ظهور العوام ، واستيلاء المقلدة والحشوية المحجوبين ، وأهل الباطل المطبوعين ، ورجمهم أهل الحق ، ودعوتهم إياهم إلى ملّتهم ظاهر كما كان في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
[٢١] (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١))
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ١٢٢.
(٢) سورة الغاشية ، الآية : ٧.