الروح واختفاؤه من آيات الله التي يستدل بها ويتوصل منها إليه وإلى هدايته.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ) بإيصاله إلى مقام المشاهدة والتمكين فيها (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) بالحقيقة لا غير (وَمَنْ يُضْلِلْ) بحجبه عن نور وجهه فلا هادي له ولا مرشد ، أو من يهد الله إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ومن يضلله يحجبه عن حالهم.
[١٨] (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨))
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) يا مخاطب لانفتاح أعينهم وإحساساتهم وحركاتهم الإرادية الحيوانية (وَهُمْ رُقُودٌ) بالحقيقة في سنة الغفلة تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) أي : نصرفهم إلى جهة الخير وطلب الفضيلة تارة ، وإلى جهة الشر ومقتضى الطبيعة أخرى (وَكَلْبُهُمْ) أي : نفسهم (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) أي : ناشرة قوتيها الغضبية والشهوانية (بِالْوَصِيدِ) أي : بفناء البدن ، ولم يقل : وكلبهم هاجع لأنها لم ترقد بل بسطت القوتين في فناء البدن ملازمة له لا تبرح عنه ، والذراع الأيمن هو الغضب لأنه أقوى وأشرف وأقبل لدواعي القلب في تأديبه ، والأيسر هو الشهوة لضعفها وخستها (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) أي : على حقائقهم المجردة وأحوالهم السنية وما أودع الله فيهم من النورية والسنا ، وما ألبسهم من العز والبهاء (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ) فارّا لعدم اعتقادك بالنفوس المجردة وأحوالها وعدم استعدادك لقبول كمالهم ، أو لوليت منهم للفرار عنهم وعن معاملاتهم لميلك إلى اللذات الحسيّة والأمور الطبيعية (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) من أحوالهم ورياضاتهم ، أو لو اطلعت عليهم بعد الوصول إلى الكمال وعلى أسرارهم ومقاماتهم في الوحدة لأعرضت عنهم وفررت من أحوالهم وملئت منهم رعبا لما ألبسهم الله من عظمته وكبريائه. وأين الحدث من القدم ، وأنى يسع الوجود العدم.
[١٩] (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩))
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي : مثل ذلك البعث الحقيقي والإحياء المعنوي بعثناهم (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) أي : ليتباحثوا بينهم عن المعاني المودعة في استعدادهم الحقائق المكنونة في ذواتهم فيكملوا بإبرازها وإخراجها إلى الفعل ، وهو أول الانتباه الذي تسميه المتصوفة اليقظة (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) مرّ تأويله ، والمحققون منهم هم الذين (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) هذا هو زمان استبصارهم واستفادتهم واستكمالهم.