الجسم الظلماني إذ الحياة هي اللون الذي يغلب عليه السواد كما أن القلب سمي آدم لتعلقه بالجسم دون الملازمة بالانطباع إذ الأدمة هي السمرة أي : اللون الذي يضرب إلى السواد ولو لا تعلقه لما سمي آدم. والجنة المأمور بملازمتهما إياها هي سماء عالم الروح التي هي روضة القدس أي ألزما سماء الروح.
(وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) أي : توسّعا وتفسحا في تلقي معانيها ومعارفها وحكمها التي هي الأقوات القلبية والفواكه الروحية توسعا بالغا على أي وجه ومن أي مرتبة وحال ومقام شئتما إذ هي دائمة غير منقطعة ولا محجورة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) الواضعين النور في محل الظلمة الذي ليس موضعه والناقصين من نور استعدادكما وحظكما من عالم النور ، فإن الظلم في العرف هو وضع الشيء في غير موضعه وفي اللغة نقص الحق والحظ الواجب.
[٣٦] (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦))
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) أي : حملهما على الزلة من مقامهما إلى مهوى الطبيعة عن الجنة بتسويل الملاذ الجسمانية ودوامها عليهما (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) من النعيم والروح الدائم. وقيل : بينما هما يتفرّجان في الجنة إذ راعهما طاوس تجلّى لهما على سور الجنة ، فدنت حواء منه وتبعها آدم فوسوس لهما الشيطان من وراء الجدار. وقيل : توسل بحيّة تتسوّر الجنة فأخذ بذنبها وصعد الجنة. والأوّل إشارة إلى توسله من قبل الشهوة خارج الجنة. والثاني : إلى توسله بالغضب. وتسوّره جدار الجنة : إشارة إلى أن الغضب أقرب إلى الأفق الروحانيّ والحيز القلبيّ من الشهوة. (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) أي : ألزمناهم الهبوط إلى الجهة السفلية التي هي العالم الجسمانيّ (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) حال من الهبوط مقيد له إذ الهبوط إلى الدنيا التي هي الجهة السفلية يستلزم كون مطالبها جزئية في ضيق المادة محصورة لا تحتمل الشركة. وكلما حظي بها أحد حرم منها غيره فمنعه ، فيقع بينهما العداوة والبغضاء بخلاف المطالب الكلية وجمع الخطاب لأن خطابهما خطاب النوع إذ الأصل يتناول الفرع (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : في هذه الجهة (مُسْتَقَرٌّ) استقرار (وَمَتاعٌ) تمتع (إِلى حِينٍ) أي : حين تجرّدهما بالموت الإرادي أو انقطاع حظوظهما بالموت الطبيعي وقيام أحد القيامتين الكبرى أو الصغرى.
[٣٧] (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧))
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) أي : استقبل من جهة ربّه أنوارا وأطوارا ، أي : مراتب من