هو التعبد بأوامر
الله تعالى ونواهيه ، مع التوجه إليه طلبا للتنوّر ليستنير ذلك الوجه فتتنوّر به
النفس. كما أنّ الوقوف على الحدّ الآخر هو تلقي المعارف والعلوم والحقائق والحكم
والشرائع الإلهية لينتقش بها الصدر ، فتتزين به النفس. فالطغيان هو الانهماك في
الصفات النفسانية البهيمية والسبعية والشيطانية واستيلاؤها على القلب ليسودّ ويعمى
، فتتكدّر الروح.
[١٦] (أُولئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما
كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦))
(أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي : الظلمة ، والاحتجاب عن طريق الحق الذي هو الدين ، أو
عن الحق. فإنّ الضلالة تنقسم بإزاء الهداية بالنور الاستعداديّ الأصليّ. (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) إذ كان رأس مالهم من عالم النور والبقاء ليكتسبوا به ما
يجانسه من النور الفيضيّ الكماليّ ، بالعلوم والأعمال والحكم والمعارف والأخلاق
والملكات الفاضلة ، فيصيرون أغنياء في الحقيقة ، مستحقين للقرب والكرامة والتعظيم
والوجاهة عند الله ، فما ربحوا بكسبها وضاعت الهداية الأصلية التي كانت بضاعتهم
ورأس مالهم بإزالة استعدادهم وتكدير قلوبهم بالرين الموجب للحجاب والحرمان الأبديّ
، فخسروا بالخسران السرمديّ ، أعاذنا الله من ذلك.
[١٧] (مَثَلُهُمْ
كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ
بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧))
(مَثَلُهُمْ) أي : صفتهم في النفاق كصفة المستوقد للإضاءة الذي إذا
أضاءت ما حوله من الأشياء القريبة منه خمدت ناره وبقي متحيّرا ، لأن نور استعدادهم
بمنزلة النار الموقدة ، وإضاءتها لما حولهم هي اهتداؤهم إلى مصالح معاشهم القريبة
منهم دون مصالح المعاد البعيدة بالنسبة إليهم وصحبة المؤمنين وموافقتهم في الظاهر
وخمودها سريعا انطفاء نورهم الاستعداديّ وسرعة زوال ما متّعوا به من دنياهم ووشك انقضائه.
(ذَهَبَ اللهُ
بِنُورِهِمْ) الاستعداديّ بإمدادهم في الطغيان ، وخلاهم محجوبين عن
التوفيق في ظلمات صفات النفس (لا يُبْصِرُونَ) ببصر القلب ، ووجه المخرج ولا ما ينفعهم من المعارف كمن
تنطفئ ناره وهو في تيه بين أشغال وأسباب.
[١٨ ـ ١٩] (صُمٌّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ
وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ
حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩))
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) بالحقيقة لاحتجاب قلوبهم عن نور العقل الذي به تسمع الحق
وتنطق به ، وتراه في الظاهر لعدم فوائدهما ، لانسداد الطرق من تلك المشاعر إلى
القلب لمكان