الحجاب ، فلم يصل إليها نور القلب ليحتفظوا بفوائدها ولم ترد مدركاتها على القلب ليفهموا ويعتبروا. (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الله لوجود السّدين المضروبين على قلوبهم المذكورين في قوله : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) (١). وفائدة التشبيه تصوير المعقول بصورة المحسوس ، ليتمثل في نفوس العامة. ثم شبههم ثانيا بقوم أصابهم مطر فيه ظلمات ورعد وبرق ، فالمطر هو نزول الوحي الإلهي ووصول إمداد الرحمة إليهم ببركة صحبة المؤمنين ، وبقية استعدادهم مما يفيد قلوبهم أدنى لين ، وحصول النعم الظاهرة لهم بموافقتهم في الظاهر. والظلمات هي الصفات النفسانية ، والشكوك الخيالية والوهمية ، والوساوس الشيطانية مما تحيرهم وتوحشهم. والرعد هو التهديد الإلهيّ والوعيد القهريّ الوارد في القرآن والآيات والآثار المسموعة والمشاهدة مما يخوّفهم فيفيد أدنى انكسار لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم الآبية. والبرق هو اللوامع النورية والتنبهات الروحية عند سماع الوعد وتذكير الآلاء والنعماء مما يطمعهم ويرجيهم ، فيفيدهم أدنى شوق وميل إلى الإجابة.
ومعنى (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) يتشاغلون عن الفهم بالملاهي والملاعب عن سماع آيات الوعيد ، ولكي لا ينجع فيهم فيقطعهم عن اللذات الطبيعية بهمّ الآخرة ، إذ الانقطاع عن اللذات الحسيّة هو موتهم ، والله قادر عليهم ، قاطع إياهم عن تلك اللذات المألوفة بالموت الطبيعي ، قدرة المحيط بالشيء الذي لا يفوته منه ، فلا فائدة لحذرهم.
[٢٠] (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))
(يَكادُ الْبَرْقُ) أي : اللامع النوريّ (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) أي : عقولهم المحجوبة بالنعاس عن نور الهداية والكشف ، إذ العقل بصر القلب (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) أي : ترقوا وقربوا من قبول الحق والهدى ، (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) أي : ثبتوا على حيرتهم في ظلمتهم (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) لطمس أفهامهم وعقولهم ، ومحا نور استعدادهم ، كما للفريق الأول فلم يتأثروا بسماع الوحي أصلا (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الشيء الموجود الخارجيّ الواجب والممكن ، والموجود الذهني الممكن والممتنع ، إذ اللاشيء هو المعدوم الصرف الذي ليس في الذهن ولا في الخارج ، لكن تعلق القدرة به خصصه بالممكن وأخرج عنه الواجب والممتنع بدليل العقل.
هذا آخر الكلام في الأصناف السبعة على سبيل الإجمال ، وفصل بين فريقي الأشقياء
__________________
(١) سورة يس ، الآية : ٩.