والعداوة ، وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم وإجراء أحكام الإسلام عليهم بحقن الدماء وحصن الأموال وغير ذلك ، وادّخار العذاب الأليم والمآل الوخيم ، وسوء المغبة لهم وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم لكن الفرق بين الخداعين أنّ خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم بإهلاكها وتحسيرها وإيراثها الوبال والنكال بازدياد الظلمة والكفر والنفاق واجتماع أسباب الهلكة والبعد والشقاء عليها ، وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير ويوبقهم أشدّ إيباق ، كقوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)) (١) وهم من غاية تعمقهم في جهلهم لا يحسون بذلك الأمر الظاهر.
[٩ ـ ١٣] (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك ونفاق تنكير المرض. وإيراد الجملة الظرفية إشارة إلى عروض المرض واستقراره ورسوخه فيها كما أشرنا إليه في التقسيم ، وإلا لقال قلوبهم مرضى أو موتى. (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) أي : آخر حقدا وحسدا وغلا بإعلاء كلمة الدين ، ونصرة الرسول والمؤمنين ، والرذائل كلها أمراض القلوب لأنها أسباب ضعفها وآفتها في أفعالها الخاصة ، وهلاكها في العاقبة. وفرق بين العذابين بالألم للمنافقين ، والعظم للكافرين ، لأن عذاب المطرودين في الأزل أعظم فلا يجدون شدّة ألمه لعدم صفاء إدراك قلوبهم ، كحال العضو الميت ، أو المفلوج والخدل بالنسبة إلى ما يجري عليه من القطع والكيّ وغير ذلك من الآلام. وأما المنافقون فلثبوت استعدادهم في الأصل وبقاء إدراكهم يجدون شدّة الألم فلا جرم كان عذابهم مؤلما مسببا عن المرض العارض المزمن الذي هو الكذب ولواحقه.
وإذا نهوا عن الإفساد في الأرض ، أي في الجهة السفلية التي هي النفوس وما يتعلق بها من المصالح بتكدير النفوس ، وتهييج الفتن والحروب ، والعداوة والبغضاء بين الناس ، أنكروا وبالغوا في إثبات الإصلاح لأنفسهم ، إذ يرون الصلاح في تحصيل المعاش وتيسير أسبابه ، وتنظيم أمور الدنيا لأنفسهم خاصة ، لتوغلهم في محبة الدنيا وانهماكهم في اللذات البدنية ، واحتجابهم بالمنافع الجزئية ، والملاذ الحسيّة عن المصالح العامة الكليّة ، واللذات العقلية ، وبذلك يتيسر مرادهم ، ويتسهل مطلوبهم وهم لا يحسون بإفسادهم المدرك بالحس.
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ٥٤.