يستخدمها المحقّقون لمعرفة الجاني عن طريق تتبّع آثاره وبصمات أصابعه ، حينما يدخلون في محيط قد وقعت فيه جريمة ، وكما قلنا فإنّ هذا التحليل كان مطابقاً لعقائد الوثنيين لغرض إدانتهم بما يعتقدون.
وفيما يتعلّق بالآية الثانية فلا دليل أصلاً على أنّ إبراهيم عليهالسلام لم يكن مريضاً حقّاً ، فهناك علّة في بدنه ، غاية الأمر أنّها لم تكن بتلك الخطورة التي تقعده عن نشاطه البدني بالمرّة ، وتستفحل عليه بحيث تمنعه حتّى عن تحطيم الأصنام ، وما أكثر المرضى المشغولين بأعمالهم طول النهار ، خصوصاً تلك التي تبعث على ترسيخ العقيدة كتحطيم الأصنام لبطل التوحيد إبراهيم! هذا أوّلاً.
وثانياً مع أنّ «السُقم» و «السَقم» هو المرض المختصّ بالبدن ، لكنّه قد يكون في النفس أيضاً كما صرّح به البعض من أصحاب اللغة ، وبديهي أنّ روح إبراهيم كانت متعبة وكالمريضة في ذلك الجو المليء بالشرك ، إذن فقوله انّي سقيم إشارة إلى الجانب النفسي.
ثمّ إنّ الأمراض النفسية حين تشتدّ وطئتها تظهر مضاعفاتها السلبية حتّى على البدن أيضاً ، وقد أصبحت هذه المسألة اليوم من المسلّمات ، والقرآن الكريم أيضاً يخاطب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله : (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً). (الكهف / ٦)
كما أنّ بعض المفسّرين قال : إنّ لإبراهيم عليهالسلام مرضاً (كالحمى المزمنة) ينتابه بين الفينة والاخرى ، وأنّ مراده من جملة ، (إنّي سقيم) هو اقتراب زمن هذا المرض فانا معذور من مرافقتكم ، كما أنّ الجملة التي قبلها : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ) (الصافات / ٨٨) دليل على هذا المدّعى ، لأنّ النظر إلى النجوم إنّما يكون لحساب الوقت أي للوقوف على زمن ظهور ذلك المرض.
وفيما يتعلّق بالآية الثالثة ، فالجواب هو نفس ما تقدّم تفصيله في الآيات المتعلّقة بآدم عليهالسلام ، وهو أنّ مراد إبراهيم من «الخطيئة» هو «الذنب النسبي» و «ترك الأولى» و «حسنات الأبرار سيّئات المقربين» (١).
__________________
(١) مع أنّ «الخطيئة» مأخوذة من مادّة «الخطأ» والتي تعني في الأصل الزلّات الصادرة من الإنسان لكنّها اتّسعت ـ