٢ ـ اطّلاع داود على إعداد وسيلة دفاعية
تمّ البحث في سورتين من القرآن المجيد حول اختراع الدرع المناسب ، الذي كان يعدّ وسيلة دفاعية مهمّة لحروب الأزمنة الغابرة ، وذلك من قبل داود النبي الإلهي العظيم الشأن.
يقول تعالى في أحد المواضع : (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ). (الأنبياء / ٨٠)
يتّضح جيّداً من هذه الآية أنّ إبداع هذه الوسيلة الدفاعية قد تمّ في عهد داود عليهالسلام وبتعليم ربّاني ، في حين انّنا نعلم بعدم ضرورة أن يكون نبي إلهي مبتكراً لمثل هذا الموضوع.
كما ونقرأ في قوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (سبأ / ١٠ ـ ١١)
لا شكّ أنّ هذا الأمر يكشف عن أنّ إقدام داود عليهالسلام على صنع شيء فريد من نوعه ، كان بأمر إلهي وأنّه تعالى هو الذي علّمه كيفية الصنع وسبل تليين الحديد ، سواء كانت لهذه المسألة صفة إعجاز أم تعليم إلهي بالاستفادة من المعدّات والأسباب ، وعلى أيّة حال فابتكار هذا الأمر (صنع الحلقات الدقيقة والقويّة لغرض نسج الدرع في ذلك الزمان ، بحيث لا يعيق حركة المقاتل ، كما ويسهل ارتداؤه بالإضافة إلى مقاومته لضربات وأسنّة السهام والسيوف والرماح في نفس الوقت) كان عملاً شاقّاً ومعقّداً للغاية ، ولم تكن أهميّته في ذلك العصر أدنى من إبداع الأسلحة المتطوّرة في عالم اليوم.
كما ويحتمل أن تكون الآية ١٥ من سورة النمل إشارة إلى نفس علم ومعرفة داود بصناعة هذه الوسيلة الدفاعية أيضاً ، أو أن تكون مضافة إلى العلوم الأولى حيث يقول تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً). (١)
لقد تناولنا هذا البحث فيما سبق أيضاً ـ بمناسبة أخرى ـ.
* * *
__________________
(١) ورد هذا الاحتمال في تفسير القرطبي ، ج ٧ ، ص ٤٨٧٩ ذيل الآية مورد البحث.