هذه الآية ونظائرها التي تعتبر «بشارة» و «إنذاراً» هي بمثابة برنامج رئيسي للأنبياء عليهمالسلام ، وتعدّ أيضاً ردّاً على اولئك الذين يعتبرون الأنبياء عليهمالسلام آلهة ويرجون منهم إظهار كلّ أنواع القدرة الإلهيّة ، وعلى اولئك الذين انكروا دعوتهم وخالفوهم في مسيرتهم إذ يؤكّد الله تعالى أنّ وظيفة الأنبياء عليهمالسلام هي البشرى والإنذار فقط ، أمّا باقي الامور فهي موكولة إليه تعالى وأنّ الهداية مرتبطة بالناس أنفسهم كما في الآية : (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) ففي الواقع يمكن حصر كلّ الدوافع الإنسانية في هاتين الجملتين المعروفتين : «جلب المنفعة» و «دفع الضرر» ، (الأعمّ من المادية والمعنوية) ، وقد ركّزت «البشارة» و «الإنذار» عليهما ، كما أنّهما بمثابة الأساس الذي تعتمد عليه كلّ تربية إلهيّة وبشرية مادية ومعنوية.
البشارة لا تكفي لوحدها وكذلك الإنذار ، بل لابدّ من حاكميتهما معاً على حياة الإنسان وفي كلّ مراحل التربية منذ نعومة أظفاره حتّى الرمق الأخير ، والذي يلتزم بإحداهما دون الاخرى سيفشل في برامجه ، إذ كما أنّ التشويق يعدّ عاملاً محرّكاً ، فكذلك التهديد يعدّ رادعاً قويّاً بالنسبة للمعاندين.
* * *
٧ ـ إتمام الحجّة
من الطبيعي إنّ فريقاً من الأنانيين والمتغطرسين المعاندين الذين يرون دعوة الأنبياء عليهمالسلام مخالفة لأغراضهم الشخصيّة يمتنعون عن قبولها ويقفون منها موقفاً سلبياً ، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث نبياً فمن الممكن أن يدعي هؤلاء ادّعاءات وحجج واهية ، من بينها ، أنّ الله سبحانه وتعالى لو بعث نبياً لاستقبلناه بصدور رحبة ولآمنا برسالته وبما يقول ، إلى غير ذلك من الادعاءات الكاذبة.
وعلى هذا الأساس فإنّ أحد أهداف بعثة الأنبياء هو إلقاء الحجة على هذه المجموعة على كافة المعاندين ، وأنّ إلقاء الحجّة هذا ، يمثل أولاً : العدل الإلهي بالشكل الواضح والدقيق.