الله ، والتي نجد أحد مصاديقها في قصّة هود في الآية الثامنة من بحثنا :
إذ قال له قومه إنّك لم تأتنا بدليل واضح ولن نترك آلهتنا لكلامك هذا ، بل لن نؤمن بك أصلاً ، ونحن نعتقد بأنّ آلهتنا قد غضبت عليك وسلبتك لبك! لكنّه صمد بجرأة وقال : (إِنِّى أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّى بَرِىءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِى جَمِيعاً ثُمَّ لَاتُنْظِرُونِ* إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّى وَرَبِّكُمْ).
عندما يرى الإنسان شخصاً جاهلاً ومتعصباً ، فيصاب بالذهول والفزع ، فكيف به إذا أراد أن ينهض لمواجهة قوم منحرفين ويحملون كافة الصفات الرذيلة ، وهو لا يملك العُدة والعدد ليتغلب بها عليهم؟! من البديهي إن عملاً كهذا لا يمكن تحققه إلّابواسطة المدد الإلهي ، وهي القوة النابعة من التوكل ، حيث أن التوكل لا يأتي إلّامن الايمان بالله سبحانه وتعالى المهيمن على كافة أرجاء العالم.
والملفت للنظر هو عدم اكتراث الأنبياء عليهمالسلام لتهديدات أعدائهم وعدم إبراز أي رد فعل تجاههم ، بل على العكس كانوا يحتقرون قدرتهم ويعرضونها للإستفهام ويفهمونهم بأنّهم لا يعيرون لكلّ ذلك المجتمع الوثني المعاند أي اهتمام يذكر ، فهذا التوكّل المنقطع النظير هو أحد خصائص الأنبياء عليهمالسلام.
* * *
٩ ـ الإخلاص المنقطع النظير
وصف «المخلص» ورد ذكره في القرآن مرّة واحدة فقط ، وذلك في حقّ موسى بن عمران عليهالسلام فقد وصفه بالإخلاص قبل وصفه بالرسالة والنبوّة ، يقول تعالى : (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً).
لكن نظراً لما ورد على لسان الشيطان في آيتين من القرآن : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الُمخْلَصِينَ). (الحجر / ٣٩ ـ ٤٠) (ص / ٨٢ ـ ٨٣)
ولبداهة كون الأنبياء عليهمالسلام من الذين يعجز الشيطان عن إغوائهم بأي حال من الأحوال