كان خطّاطاً ماهراً ، فهل يدلّ هذا على ضرورة كونه عالماً متبحّراً أيضاً؟!
لكن هناك ملاحظة لم ينتبه لها أصحاب هذا الكلام ، ألا وهي أنّ الأمر الخارق للعادة الصادر من العلماء المتبحّرين لا يُعدّ معجزة والذي يفوق قدرة الإنسان ، أي المستند على خصوص القوّة الإلهيّة.
هل يمكن أن يضع الله أمراً خارقاً للعادة ، خارجاً عن عهدة البشر ، تحت تصرّف مدّع كذّاب ليُضلّ عباده؟ هل ينسجم هذا المعنى مع حكمة الله؟ هذا يشبه تماماً ادّعاء أحد بأنّي وكيل للشخص الفلاني إليكم ، ويستدلّ على ذلك بالخاتم الخاصّ الذي في يده ، والذي يعود إلى ذلك الشخص ، مع علم صاحب الخاتم بذلك.
لا شكّ في كون هذا الأمر دليلاً على قبوله ورضاه ، وإلّا فمن المستحيل أن يسكت على عمل كهذا.
وهذا هو ما بيّنه القرآن فيما يتعلّق بنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله في الآيات : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالَيمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ). (الحاقّة / ٤٤ ـ ٤٦)
إشارة إلى أنّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله ومع امتلاكه لتلك المعجزات ، لو انحرف عن الحقّ ونسب إلى الله كلاماً مخالفاً ، لاستلزمت الحكمة الإلهيّة عدم إمهاله ولو لحظة واحدة ولأهلكته في الحال.
من الطبيعي أنّ المدّعين للنبوّة كذباً كانوا ولا زالوا كثيرين في العالم ، ولا داعي لأن يهلك الله أحداً لمجرّد ادّعائه النبوّة كذباً ، هذا الكلام إنّما يصدق في حقّ اولئك الذين لديهم معجزة ، إذ إنّهم لو كذّبوا على الله لما أمهلهم أبداً باعتباره اغراء بالجهل.
الجواب الآخر عن هذا السؤال هو أنّ الأنبياء عليهمالسلام كانوا يدّعون أنّ الرسالة إنّما تعطى لهم عن طريق الوحي ، سواء كان الوحي نازلاً عليهم مباشرةً ، أو عن طريق نزول الملائكة ، أيّاً كان فهو أمر خارق للعادة غير مشابه لإدراكات الإنسان الإعتيادية ، وحتماً فانّ هناك نوعاً من السيطرة على عالم ما وراء الطبيعة في نفوس الأنبياء.