ولذا أشارت الآية التاسعة من البحث إلى هذا الهدف ، قال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ).
و «الامّة» : في الأصل على ما ذهب إليه الراغب في مفرداته تطلق على كلّ جماعة يجمعهم أمرٌ ما ، إمّا أن يكون دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد ، سواء كان ذلك الأمر الجامع قسريّاً أو اختياريّاً ، وجمعها امم.
لكنّ هذه اللفظة وردت بمعنى العقيدة أيضاً : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ* وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ). (الزخرف / ٢٢ ـ ٢٣)
وأحياناً جاءت بمعنى نفس الزمان قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ). (يوسف / ٤٥)
وكذلك قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). (هود / ٨)
وفي الآية مورد البحث يبدو أنّ «الامّة» جاءت بمعنى الجماعة الواحدة.
لكن ما هي هذه الامّة الواحدة التي عاشت في بداية الخلقة يا ترى؟ وما هي عقيدتها؟ يوجد بين المفسّرين حديث طويل وعريض حول هذا الموضوع ، ولهم احتمالات عديدة في تفسير لفظ «الامّة» ومصيرها ، وأهمّها ثلاثة احتمالات :
الأوّل : أنّها كانت امّة مهتدية ، وكانت هدايتها نابعة من الفطرة الإلهيّة المودعة لديها ، ثمّ اختلفت ذلك الاختلاف الناشيء من علمها المحدود ، وذلك لعجز أحكام الفطرة والمستقلات العقلية عن الأخذ بزمام الامور لوحدها ، ومن هنا بعث الله تعالى الأنبياء عليهمالسلام إلى البشرية لتخليصها من مشكلة الاختلافات الناشئة من الجهل ومحدودية معرفتها.
فبعث الله الأنبياء عليهمالسلام ووضعوا حدّاً لهذه الاختلافات وبيّنوا الحقائق ، لكنّه ظهر بعد ذلك اختلاف آخر نشأ من البخل والظلم والفساد ، وهنا أيضاً شملت الألطاف الإلهيّة