يمكن القول أنّهم وفي كلّ هذه الموارد لو شاؤا أن يعلموا لعلموا ، لكنّهم كانوا يعلمون أنّ الله لم يجز لهم الإطّلاع إمّا اختباراً أو لمصالح اخرى.
ويمكن توضيح هذه المسألة بذكر هذا المثال : لو أعطى أحد رسالة حاوية على أسماء أشخاص أو مناصبهم أو على حقائق سرّية اخرى ، لشخص آخر فبإمكان ذلك الشخص الإطّلاع على هذه الحقائق بمجرّد فتح الرسالة ، لكن حيث إنّها لم تفتح بعد فليس له اطّلاع على محتواها ، كما أنّ الشخص الرئيسي الذي أعطاه الرسالة كان قد خوّله فتح الرسالة متى شاء.
٣ ـ المراد من اطّلاع المعصومين على علم الغيب هو الإطّلاع على كلّ المسائل ذات العلاقة بهداية البشرية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وبناءً على هذا فهم مطّلعون بالفعل على كلّ المعارف والأحكام ، وتواريخ الأنبياء ومسائل الخلق والحوادث السابقة واللاحقة إلى كلّ ما يرتبط بهداية الناس ، لكن ليس من الضروري القول بما هو خارج عن نطاق هذه الدائرة في حقّهم.
الروايات المتعدّدة التي أشرنا إليها والقائلة : «إنّ الله أحكم وأكرم وأجلّ وأعظم وأعدل من أن يحتجّ بحجّة (للخلق) ثمّ يغيّب عنه شيئاً من امورهم» (١).
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «من زعم أنّ الله يحتجّ بعبد في بلاده (بين خلقه) ثمّ يَستُر عنه جميع ما يحتاج إليه فقد افترى على الله!» (٢).
هذه كلّها إشارة إلى العلوم الضرورية لهداية الخلق.
٤ ـ إنّهم مطّلعون على كلّ أسرار الغيب ، لكنّ اطّلاعهم هذا مبتنٍ على اصول كلّية ، فهم يعلمون بكلّيات كافّة الامور ، في حين أنّ العلم بكلّيات العالم وجزئياته كلّها خاصة بذاته تعالى.
هذا الكلام في الواقع يشبه ما ورد في روايات متعدّدة من أنّ عليّاً عليهالسلام قال : «إنّ
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٢٦ ، ص ١٣٨ ، ح ٥ (ورد هذا الحديث قبل عدّة صفحات بتفاوت ضئيل).
(٢) المصدر السابق ، ص ١٣٩ ، ح ٨.