والنبوّة والتربية والتعليم والتبليغ ، بل إنّ عدم ترابطهما أمر واضح للجميع ولا يخدش هذا في مقام عصمة الأنبياء ، والنسيان الوارد في الآيات المذكورة هو من هذا القبيل.
يقول العالم الكبير المرحوم السيّد المرتضى رحمهالله : إنّ هناك ثلاثة أوجه فيما يتعلّق بقول موسى للخضر : «لَاتُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ» :
الأوّل : النسيان بمعناه الحقيقي المتعارف ، ولا عجب أن ينسى موسى مثل هذا العهد خلال هذه الفترة القصيرة ، لانشغاله فكريّاً (بمسائل أهمّ).
الثاني : أنّ مراده هو أن لا تؤاخذني على ما تركته (أي أنّ موسى كان قد ترك العهد عمداً ، ومعلوم أنّه كان مشروطاً ، أي لو شئت البقاء معي فلا تسألني حتّى اوضّح لك بنفسي).
الثالث : مراد موسى هو أن لا تؤاخذني على عمل شبيه بالنسيان.
ثمّ يضيف قائلاً : ولا إشكال لو حملنا الجملة على النسيان غير الحقيقي ، وإلّا لو حملناه على النسيان الحقيقي فتعليله أنّ النسيان بهذا المعنى لا يجوز بحقّ الأنبياء ، في بيان الامور الإلهيّة ، أو التشريعية ، أو الخارجة عن المتعارف ، ولا مانع لما خرج عن نطاق هذه الدائرة ، كما لو نسي النبي طعامه ، أو شرابه لكن لا بتلك الدرجة والتكرار الزائدين عن الحدّ لاستحالة مثل هذا الشيء في حقّه.
الآية الاخرى المتعلّقة بأعمال هذا النبي العظيم والتي دار حولها النقاش وردت في قوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِنْ بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلَا تُشْمِتْ بِىَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلِأَخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). (الأعراف / ١٥٠ ـ ١٥١)
وهنا ترد عدة علامات للإستفهام :
أوّلاً : لماذا ألقى موسى بالألواح المكتوب فيها احكام الله وآيات التوراة على الأرض؟
ثانياً : لماذا أبدى ردّ الفعل الشديد تجاه أخيه الذي لم يكن قد ارتكب إثماً؟