إلى كابل.
وفي تفسير عمرو عن الحسن قال : كان سليمان إذا أراد أن يركب جاءته الريح وجلس على سريره ، وجلس وجوه الناس من أصحابه على منازلهم في الدين عنده من الجنّ والإنس. والجنّ يومئذ ظاهرة للإنس ، رجال أمثال الإنس إلّا أنّهم أدم (١) ، يحجّون جميعا ويعتمرون جميعا ويصلّون جميعا ، والطير ترفرف على رأسه ورؤوسهم ، والشياطين حرسة (٢) ، لا يتركون أحدا يتقدّم بين يديه. وهو قوله : (حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٧) [النمل : ١٧] أي : فهم يدفعون ، أي : لا يتقدّمه منهم أحد. وقال بعضهم : وزعهم ، أي : يردّ أوّلهم على آخرهم ، وهو واحد.
قوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) : يعني الصفر (٣) ، سالت له مثل الماء. قال : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) : أي بأمر ربّه ، أي : بالسخرة التي سخّرها الله تعالى له. قال : (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) : أي عن طاعة الله وعبادته (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) (١٢) : أي في الآخرة. ولم يكن يسخّر منهم ويستعمل في هذه الأعمال كلّها ولا يصفّد في الأصفاد ، أي : ولا يسلسل في السلاسل منهم ، إلّا الكفّار. فإذا تابوا وآمنوا حلّهم من تلك الأصفاد.
وقال بعضهم : (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) أي : جعل معه ملك بيده سوط من عذاب السعير ، فإذا خالف سليمان منهم أحد ضربه الملك بذلك السوط.
قال : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) : والمحاريب في تفسير الحسن المساجد ، وفي تفسير مجاهد : [بنيان دون] (٤) القصور. وفي تفسير الكلبيّ : المساجد والقصور.
__________________
(١) كذا في سح : «أدم» ، وفي ع : «إلّا أنّ بهم أدومة» ، وصوابها : «أدمة». والأدمة في الناس سمرة يشوبها سواد ، وفي الإبل والظباء بياض.
(٢) كذا في ع وسح وز : «حرسة» ، جمع حارس ، ولم أجد هذا الجمع في اللسان ولا في الصحاح ، وورد في بعض المعاجم قياسا لا سماعا ، فكثيرا ما يجمع فاعل على فعلة. وقد ورد في القرآن منه مثل : (بررة) ، (كفرة) ، (فجرة) ؛ ولو أسقطت النقطتان من الهاء في آخر الكلمة ، فكان اللفظ : «حرسه» لكان صوابا.
(٣) الصفر : هو النحاس الجيّد.
(٤) زيادة من تفسير مجاهد ، ص ٥٢٤ ، ومن الدرّ المنثور ، ج ٥ ص ٢٢٨.