قوله : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) : أي لا إله إلّا الله (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أي ليس له ندّ ولا شبيه. قال : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٧) : العزيز في نقمته ، الحكيم في أمره. ينزّه نفسه عمّا قال المشركون أن جعلوا له الأنداد فعبدوهم دونه.
قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : ثمّ ذكر ذلك المثل فقال : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) : أي هل يشارك أحدكم مملوكه في زوجته وماله؟ (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ) : أي تخافون لائمتهم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) : أي كخيفة بعضكم بعضا ، أي : إنّه ليس أحد منكم هكذا ، فأنا أحقّ ألّا يشرك بعبادتي غيري ، فكيف تعبدون غيري دوني ، تشركونه في ألوهيّتي وربوبيّتي؟ وهو مثل قوله : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) [النحل : ٧١] قال : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) : يعني نبيّن الآيات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨) : وهم المؤمنون.
قال : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) : أتاهم من الله بعبادة الأوثان (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) : أي لا أحد يهديه (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٩).
قال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) : أي مخلصا ، في تفسير الحسن. وقال الكلبيّ : مسلما (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) : أي خلق الله الذي خلق الناس عليه (١) ، وهو قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢].
قال بعضهم : إنّ أوّل ما خلق الله القلم فقال : اكتب. فقال : ربّ ، وما أكتب؟ قال : ما هو كائن. فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ؛ قال : فأعمال العباد تعرض كلّ يوم اثنين وخميس فيجدونه على ما في الكتاب الأوّل. ثمّ أخرج الله من ظهر آدم كلّ نسمة هو خالقها ، فأخرجهم مثل الذرّ ، فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ثمّ أعادهم في صلب آدم ، ثمّ يكتب بعد ذلك العبد في
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٤ : «وقوله : (فِطْرَتَ اللهِ) يريد : دين الله ، منصوب على الفعل. كقوله : (صِبْغَةَ اللهِ). وقوله : (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) يقول : المولود على الفطرة حتّى يكون أبواه اللذان ينصّرانه أو يهوّدانه. ويقال : فطرة الله أنّ الله فطر العباد على هذا : على أن يعرفوا أنّ لهم ربّا ومدبّرا».