عليها رجلين. فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد العصر ؛ وكان يقال : وعندها تصير الأيمان. (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) قال : فإن اطّلع منهما على خائنة (١) أنّهما كذبا أو كتما ، أو جاء شاهدان يشهدان بغير ما شهدا به ، أجيزت شهادة الآخرين وأبطلت شهادة الأوّلين. قال الله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) أى ذلك أحرى أن يصدّقوا فيها وأن يخافوا العقب (٢).
ذكروا عن عطاء بن السائب في قوله : (أَوْ ـ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) أى من أهل الكتاب.
وقال الكلبيّ : إنّ رجلا لبني سهم (٣) انطلق في تجارة ومعه تميم الداري ورجل آخر (٤) ، وهما نصرانيّان يومئذ. فلمّا حضر الرجل الموت كتب وصيّة ثمّ جعلها في ماله ومتاعه ، ثمّ دفعه إليهما فقال : أبلغا هذا أهلي ، فانطلقا لوجههما الذي توجّها إليه. وفتّشا متاع الرجل بعد موته فأخذا ما أعجبهما فيه ، ثمّ رجعا بالمال إلى أهل الميّت. فلمّا فتش القوم المال افتقدوا بعض ما خرج به صاحبهم معه. ونظروا في الوصيّة فوجدوا المال فيها تامّا. فكلّموا تميما وصاحبه فقالوا : هل باع صاحبنا شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه (٥)؟ قالا : لا. فقالوا : هل مرض فطال مرضه فأنفق على نفسه؟ فقالا : لا. فقالوا : إنّا نفتقد بعض ما أبدى به (٦) صاحبنا ، فقالا : لا علم لنا بالذي أبدى به ، ولا بما كان في وصيّته ، ولكنّه دفع إلينا المال فبلّغناه كما هو. فرفعوا الأمر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية. فقدما فحلفا عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم دبر صلاة العصر ، فخلّى سبيلهما. فاطّلع على إناء من فضّة منقوش مموّه بذهب عند تميم ، فقالوا : هذا من آنية صاحبنا التي كانت مع صاحبنا ، وقد
__________________
(١) كذا في ع ود : «خائنة» وفي تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٢٠٢ : «على خيانة» وكلاهما صحيح فصيح ، فقد يأتي وزن فاعلة في موضع المصدر.
(٢) في ع : «العيب» ، وفي د : «الغيب». وفي تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٢٠٥ : «العقب» بمعنى العاقبة. وللكلمة الأولى أيضا وجه من التأويل ، أى : يخافوا عيب الكذب وردّ شهادتهما.
(٣) هو بديل بن أبي مريم ، وقيل : ابن أبي مارية ، مولى عمرو بن العاص.
(٤) هو عديّ بن براء. أمّا تميم الداري فقد أسلم سنة تسع للهجرة وحسن إسلامه. وقد وهب له الرسول صلىاللهعليهوسلم قريتين من بيت لحم بطلب منه ، وكتب له في ذلك كتابا.
(٥) وضع فيه ، أى : غبن فيه وخسر.
(٦) كذا في ع ود : «أبدى به» ، ولم أهتد لمعنى هذه العبارة ، ولعلّها : بدا به ، أى خرج به إلى البادية. وانظر القصّة في تفسير الطبري ، ج ١١ ص ١٨٥ ـ ١٨٩. والدر المنثور ، ج ٢ ص ٣٤٢.