إن كتّاب السير والمؤرخين من الإباضية لا يمدّوننا بترجمة للشيخ هود تشفي الغليل ، فلا حياته مبسوطة في كتبهم ، ولا آثاره معروفة لديهم. وكل ما أوردوه عنه إنّما هو عبارة عن أخبار يسيرة في أسطر قليلة وردت عرضا في مصدرين أو ثلاثة (١) يمررها خلف عن سلف. وينقلها كاتب عن آخر من دون أن تسند إلى رواية مفصّلة مضبوطة ، أو إلى شاهد عيان عاش في عصر المؤلف.
لذلك لا مناص للباحث ، وقد أعوزته المصادر الوافية ، من أن يجتهد اجتهادا ، أحيانا ، للتعرف على شخصية المؤلف أولا ، من خلال هذه الأخبار المتناثرة ، مستنطقا نصوصها للحصول على تصوّر تقريبي لحياة المؤلف.
ثانيا ، من خلال الكتاب نفسه ، الذي نجد فيه ، ولا شك ، بعض ما يعيننا على كشف حقيقة صاحبه ، ومعرفة قيمته العلمية. وهذا ما أحاول إبرازه في الصفحات التالية.
فمن هو الشيخ هود الهوّاريّ؟
إنّه العالم الجليل هود بن محكّم بن هود (٢) الهوّاريّ. وأرى أن أبدأ أولا بتقديم قبيلته ، ثمّ نتعرّف على أبيه ، فإنّ معرفتهما تمهّدان لنا السبيل لمعرفة جوانب من حياة المؤلّف.
أما قبيلة هوّارة فهي من قبائل البرانس البربريّة. وقد سكنت بطونها عدّة مواطن في إفريقيّة والمغرب. فقد جاورت هوّارة قبيلة نفوسة بالجبل الذي ينسب إليها ، جنوب طرابلس الغرب ، وسكنت بطون منها بلاد الجريد ، جنوب الحدود الجزائرية التونسية الآن ، وكانت قاعدتها توزر. وسكنت بطون منها جبل أوراس ونواحيه ، وهذا الموطن الأخير هو الذي يعنينا في موضوعنا.
__________________
(١) هم : ابن الصغير ، في تاريخ الأئمة الرستميين ، وأبو زكرياء يحيى بن أبي بكر في كتاب السيرة وأخبار الأئمة ، والدرجيني في كتاب طبقات المشائخ بالمغرب. ولم أجد ـ فيما بحثت ـ من بين مؤلّفي كتب الطبقات القدامى غير الإباضية ، وخاصّة الذين صنّفوا منهم طبقات العلماء بإفريقيّة والأندلس ، من ذكر الشيخ هود الهوّاريّ أو أشار إلى تفسيره.
(٢) لم أجد فيما بين يدي من المصادر اسم هود جدّا للمؤلّف. ولكن هكذا كتب به إليّ أستاذنا المرحوم الشيخ علي يحيى معمّر في رسالة خاصّة من دون أن يذكر لي مصدره. وعهدي به يستقي معلوماته من مصادر موثوق بها. فإذا ثبت هذا فإنّ محكّما الهواري يكون قد سمّى ابنه هودا باسم أبيه هو ؛ وهذا ما نجده كثيرا في الأنساب.