قولوها ما قبلت منكم ، فإذا ردّت عليكم فعليكم أنفسكم.
ذكر أبو مازن (١) قال : قدمت المدينة في حياة عثمان بن عفّان ، فرفعت إلى حلقة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتلا رجل من القوم هذه الآية. فقال رجل من أسنّ القوم : دع هذه الآية فإنّما تأويلها في آخر الزمان. قال بعضهم : قد جاء تأويلها. [إذا] أقبل رجل على نفسه ولها من الناس إلّا بخير (٢).
ذكر شيخ من أهل دمشق قال : كنّا قعودا بالجابية (٣) في مجلس فيه كعب وأبو الدرداء. فجاءهم رجل فسلّم ، ثمّ جلس ، فقال : رأيت أمرا كرهته لله. إنّ صاحبه لخليق أن يعاقب وينكّل. فقال رجل من القوم : أقبل على نفسك ودع الناس عنك ، إنّ الله قال في كتابه العزيز : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) فقال كعب : لا تطعه ، ذبّ عن محارم الله ذبّك عن عيبتك (٤) حتّى يقع تأويل هذه الآية. فقال أبو الدرداء : متى يقع تأويلها؟ فقال : إذا رأيت كنيسة دمشق هدمت وبني مكانها مسجد فذاك من تأويلها ، وإذا رأيت العصب (٥) فذاك من تأويلها ، وإذا رأيت الكاسيات العاريات فذلك من تأويلها (٦).
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) : وفي هذه الآية تقديم : يقول : يا أيّها الذين
__________________
(١) في ع ود : «أبو رمان» ، وفيه تصحيف صوابه ما أثبتّه : «أبو مازن». كان «من صلحاء الأزد ، من بني الحدّان» ، روى عنه قتادة هذا الخبر في تفسير الطبري ، ج ١١ ص ١٤١ ـ ١٤٢.
(٢) كذا وردت هذه العبارة في ع ود ، بدون «إذا» في أوّلها. ولم أهتد لمعنى واضح لها تطمئنّ إليه النفس. ولعلّ كلمة «لها» تعني : أعرض وترك ، فيكون المعنى : لها عن الناس وتركهم إلّا إذا ذكرهم بخير. والله أعلم.
(٣) الجابية : قرية من أعمال دمشق ، فتحها المسلمون في عهد أبي بكر ، ونزل بها عمر بن الخطّاب واتّخذها معسكرا حين قدم إلى الشام لفتح بيت المقدس. انظر : تاريخ الطبري ، ج ٣ ص ٦٠٧ ـ ٦٠٨.
(٤) في ع : «عينيك» ، وفي د : «غيبتك» ، وفي الكلمتين تصحيف صوابه ما أثبتّه. وعيبة الرجل خاصّته من أهله وموضع سرّه. وأصل العيبة : وعاء من أدم : يجعل فيه الثياب وكلّ متاع عزيز. انظر : اللسان (عيب).
(٥) العصب : ضرب من برود اليمن ، سمّي كذلك لأنّ غزله يعصب ، أى يدرج ، يجمع ثمّ يصبغ ثمّ يحاك.
(٦) لم أجد فيما بين يديّ من كتب التفسير هذا الخبر مفصّلا عن مجلس يجمع من جلّة الصحابة أمثال كعب وأبي الدرداء. وقد أشار إليه ابن كثير إشارة عابرة في تفسير الآية ، ولم يروا إلّا قول كعب : «إذا هدمت كنيسة دمشق. وظهر لبس العصب ، فحينئذ تأويل هذه الآية». انظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ص ٦٧٠.