(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) : هو الذي كانوا يعملون به في الجاهليّة ؛ إذا حلّ مال (١) أحدهم على صاحبه قال المطلوب : إنّ هذا ربا ، قالوا : لا ، سواء علينا زدنا في أوّل البيع أو عند محلّ الأجل. فأكذبهم الله فقال : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).
ذكروا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن شرطين في بيع ، وعن بيع وسلف ، وعن بيع ما ليس عندك ، وربح ما لم تضمن (٢).
ذكروا عن الحسن أنّه قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن بيع الغرر (٣).
وذكروا عن الحسن أنّه قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن بيع البسر حتّى يحمرّ ، وعن بيع العنب
__________________
(١) كذا في ق وع ود : «إذا حلّ مال أحدهم» ، وفي ز : «إذا حلّ دين أحدهم».
(٢) ترجم البخاري في كتاب البيوع من صحيحه : باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك. وروى في الباب حديثا عن ابن عبّاس بلفظ : «أمّا الذي نهى عنه النبي صلىاللهعليهوسلم فهو الطعام أن يباع حتّى يقبض. قال ابن عبّاس : ولا أحسب كلّ شيء إلّا مثله». وفي رواية لمسلم : «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتّى يستوفيه» ، وفي رواية له أخرى «... حتّى يكتاله». (الحديث رقم ٢٥٢٥). وأخرجه الربيع بن حبيب عن يحيى بن عامر عن عتاب بن أسيد في مسنده ج ٤ ص ٤ (رقم ٨٩٤).
هذه البيوع التي نهى الشارع عنها يجمع بينها كلّها ما فيها من ربا أو غرر وأضرار بالغة تعود على الناس في حياتهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وقد جدّت في زماننا هذا صور أخرى من البيع والشراء والمعاملات الماليّة بحكم تطوّر الحياة وتعقّدها ، كثير منها لا يمتّ إلى الدين بصلة. وقد اقتبس المسلمون هذه الصور في التعامل من الدول الغربيّة ، بدون أن يميّزوا بين ما هو حلال منها وبين ما هو حرام ؛ فوقع الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون في الحرام ، وأكلوا أموالهم بينهم بالباطل ، فانتشر الربا في مجتمعاتهم ، وتعدّدت أسبابه ، وكثر متعاطوه ، وتفنّنوا في أساليبه حتّى صدق فيهم قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلّا أكل الربا ، ومن لم يأكل الربا أصابه غباره». وسبب ذلك كلّه جهل الناس بشريعة ربّهم. وإعراضهم عما بيّنته سنّة نبيّهم في أبواب البيوع وفقه المعاملات. وتعاطى التجارة أناس لم يتفقّهوا في الدين ، فضلّوا وأضلّوا. فرحم الله أمّة قال عنها عمر رضي الله عنه : «لا يتّجر في سوقنا إلّا من فقه ، وإلّا أكل الربا». وأظلّنا زمان عزّ فيه الرزق الحلال ، فلم نعد نأكل من طيّبات ما رزقنا الله حلالا طيّبا ، بل تمادينا في جمع حطام الدنيا من حلّه ومن غير حلّه ، وتيمّمنا الخبيث منه نأكل وننفق. ولا ناهي ولا منتهي ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. المحقّق.
(٣) ترجمه البخاري في كتاب البيوع ، باب بيع الغرر وحبل الحبلة ، روى فيه حديث النهي عن ذلك عن عبد الله بن عمر.