وذكروا أنّ هذه الآية لّما نزلت عمد رجل من فقراء المسلمين إلى أربعة دراهم ، لا يملك غيرها ، فقال : إنّ الله يقول : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) ، فتصدّق بدرهم بالليل ودرهم بالنهار ، وبدرهم في السرّ ودرهم في العلانية ؛ فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له : أأنت الذي أنفقت درهما بالليل ودرهما بالنهار ، ودرهما في السرّ ودرهما في العلانية؟ فقال الرجل : الله ورسوله أعلم ؛ إن كان الله أطلع رسوله على شيء فهو ما أطلعه عليه ؛ فقال له رسول الله : نعم ، قد أطلعني الله على فعلك ، والذي نفسي بيده ما تركت للخير مطلبا إلّا وقد طلبته ، ولا من الشرّ مهربا إلّا وقد هربت منه ؛ اذهب فقد أعطاك الله ما طلبت ، وآمنك ممّا تخوّفت (١).
قوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ) : ذكروا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه حدّث عن ليلة أسري به ، فكان في حديثه أنّه أتى على سابلة آل فرعون حيث ينطلق بهم إلى النار ، يعرضون عليها غدوّا وعشيّا ؛ فإذا رأوها قالوا : ربّنا لا تقومنّ الساعة ، ممّا يرون من عذاب الله. قال : فإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت ، يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم ، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردا. قلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء أكلة الربا ، ثمّ تلا هذه الآية : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) (٢).
وقال الحسن : إنّ لأكلة الربا علما يعرفون به يوم القيامة أنّهم أكلة الربا ، يأخذهم خبل ؛ فشبّه الخبل الذي يأخذهم في الآخرة بالجنون الذي يكون في الدنيا. وقال مجاهد : (يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) يوم القيامة في أكل الربا في الدنيا.
__________________
(١) اختلف المفسّرون والمحدّثون في سبب نزول الآية فقيل : نزلت في أبي بكر الصدّيق ، وقيل : في عليّ بن أبي طالب ، وقيل : في عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف لما أنفقا في جيش العسرة ، ويبدو أنّ هذا الحديث في صحابيّ آخر فقير. ولم أجده فيما بين يديّ من كتب التفسير والحديث بهذا اللفظ ، ولعلّه ممّا انفرد بروايته ابن سلّام. انظر : الواحدي ، أسباب النزول : ص ٨٤ ـ ٨٦ ، وانظر السيوطي ، الدر المنثور ، ج ١ ص ٣٦٢. ولم ترد القصّة في مخطوطة ز.
(٢) رواه البيهقيّ في كتاب دلائل النبوّة عن أبي سعيد الخدريّ في حديثه الطويل عن الإسراء بألفاظ قريبة من هذه. وأورده ابن سلّام هنا بسند يرفعه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ كذلك. انظر : مخطوطة ز ورقة ٣٩ ـ ٤٠.