قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) : أى فرض عليكم القتال (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢١٦) : قال الحسن : إذا أتيت ما أمر الله من طاعته فهو خير لك ، وإذا كرهت ما نهاك الله عن معصيته فهو خير لك. وإذا أصبت ما نهى الله عنه من معصيته فهو شرّ لك ، وإذا كرهت ما أمر الله به من طاعته فهو شرّ لك. وكان أصل هذا في الجهاد. كان المؤمنون كرهوا الجهاد في سبيل الله ، وكان ذلك خيرا لهم عند الله.
قال الكلبيّ : وكان هذا حين كان الجهاد فريضة ، فلم يقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى أظهر الله الإسلام فصار الجهاد تطوّعا. فإن جاء المسلمين عدوّ لا طاقة لهم بهم تحيّزوا إلى البصرة. وإنّما قالوا : تحيّزوا إلى البصرة ، لأنّه كان بالبصرة. فإن جاءهم عدوّ لا طاقة لهم به تحيّزوا إلى الشام. فإن جاءهم عدوّ لا طاقة لهم به تحيّزوا إلى المدينة. فإن جاءهم عدوّ لا طاقة لهم به فليس ثمّ تحيّز وصار الجهاد فريضة.
ذكروا أنّ رجلا سأل بعض السلف أيام الكرك (١) ، وكانوا قد دخلوا يومئذ في جدّة (٢) فقال : إنّ لي والدة أفأخرج إلى قتال الكرك. قال : كنّا نقول : إذا هجم عليكم العدوّ فقد وجب عليك القتال.
وقال الكلبيّ في قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أى : علم أنّه سيكون منكم من يقاتل في سبيل الله فيستشهد.
قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) : قال الحسن : إنّما سألوا عن قتال فيه. وهذا تقديم وتأخير : يقول : يسألونك عن الشهر الحرام وعن المسجد الحرام عن قتال فيه. وذلك
__________________
ـ أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدّقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك».
(١) الكرك (بضمّ الكاف وإسكان الراء) : جيل من الهند. انظر الجواليقي ، المعرب ص ٣٣٧.
(٢) في ق وع ود : «دجلة» ، وهو تصحيف صوابه ما أثبتّه : «جدّة» ؛ فقد ذكر الطبريّ في أحداث سنة إحدى وخمسين ومائة أنّ الكرك أغاروا على جدّة من البحر. ثمّ ذكر بعد ذلك في أحداث سنة ثلاث وخمسين ومائة أنّ المنصور بعد منصرفه من الحجّ نزل البصرة فجهّز من هنالك جيشا لقتال الكرك. انظر تاريخ الطبري ج ٨ ص ٣٣ ، ٤٢.