وقال بعضهم : كان هذا الحيّ من الأنصار إذا أهلّ أحدهم لم يدخل بيتا ولا دارا من بابه ، إلّا أن يتسوّر حائطا تسوّرا ، وأسلموا على ذلك حتّى نهاهم الله.
قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) : وذلك قبل أن يؤمروا (١) بقتال المشركين كافّة ، فكانوا لا يقاتلون إلّا من قاتلهم. قوله : (وَلا تَعْتَدُوا) : أى في حربكم فتقتلوا من لا يقاتلونكم ، وتقتلوا من قد آمنتموه وتحرّم بحرمتكم (٢) (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١٩٠) ثمّ أمر بقتالهم في سورة براءة فقال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥].
قوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) : يعني من مكّة (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) : والفتنة هاهنا الشرك. وقال مجاهد : ارتداد المؤمن عن الدين (٣) أشدّ عليه من أن يقتل محقّا.
قال : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (١٩١) : قال بعض المفسّرين : كانوا لا يبدأون في الحرم بقتال إلّا أن يقاتلوهم فيه. ثمّ أنزل الله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] فأمروا أن يقاتلوهم في الحلّ والحرم ، وعند البيت حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله. وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا) : أى عن قتالكم ودخلوا في دينكم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٩٢) (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) : أى شرك (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا) : عن شركهم (فَلا عُدْوانَ) : أى : فلا سبيل (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٩٣) : أى الظالم الذي يأبى أن يقول لا إله إلّا الله (٤).
قوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) ذكروا عن مجاهد أنّه قال : كان المشركون صدّوا النبيّ عليهالسلام عام الحديبيّة ، وفخروا عليه بذلك ؛ فصالحهم على أن
__________________
(١) في ق وع ود وز : «يؤمر» ، والصحيح ما أثبت لأنّ الآية جاءت بالجمع.
(٢) في ق وع ود : «ويحرم» ، وهو تصحيف صوابه ما أثبتّه. يقال : «تحرّم فلان بفلان إذا عاشره ومالحه ، وتأكّدت الحرمة بينهما». وانظر الزمخشري ، أساس البلاغة. ج ١ ص ١٦٩.
(٣) كذا في ق وع ود ، وفي تفسير مجاهد ٩٨ «ارتداد المؤمن إلى الوثن».
(٤) كذا في ق وع ود ، وفي ز : (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) : أى المشركين».