قال بعض المفسّرين : قد علم أهل الكتاب في عهد الله إليهم أنّ الساحر لا خلاق له في الآخرة عند الله يوم القيامة. وقال الكلبيّ : ما له في الآخرة من خلاق ، أى ما له من نصيب. قال : وهو مثل قوله : (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٢٠) [الشورى : ٢٠] أى من الجنّة. (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) : أى : باعوا به أنفسهم. وكلّ شيء في القرآن شروا وشروه فهو بيع. وكلّ شىء فيه اشترى واشتروا فهو الشراء ، إلّا قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [سورة البقرة : ٩٠].
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩٠] يعني بئسما باعوا به أنفسهم.
قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١٠٢) : قال الحسن : لو كانوا علماء أتقياء ما اختاروا السحر.
قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ) يعني الثواب يوم القيامة (اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١٠٣) : أى : لو كانوا علماء لآمنوا بعلمهم ذلك واتّقوا ؛ ولا يوصف الكفّار بأنّهم علماء.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) : قال الحسن : (راعنا) : الهجر (١) من القول ، نهاهم الله أن يقولوا كما قالت اليهود ، وهو قوله : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) [النساء : ٤٦]. وقال بعضهم عن الحسن : وهو التحريف للوحي الذي يأتيهم من الله.
قال : (وَقُولُوا انْظُرْنا) : أى انتظرنا نتفهّم. (وَاسْمَعُوا) : ما يأمركم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال : (وَلِلْكافِرِينَ) : الذين لا يقولون : انظرنا ، ولا يسمعون قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم (عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤) : أى موجع.
وقال الكلبيّ : راعنا كلمة كانت العرب يتكلّمون بها. يقول الرجل لصاحبه : ارعني سمعك. فلمّا سمعتهم اليهود يقولونها للنبيّ أعجبهم ذلك. وكان «راعنا» في كلام اليهود هو الشىء القبيح يسبّ به بعضهم بعضا. قالوا : كنّا نسبّ محمّدا سرّا ؛ فالآن فأعلنوا له السّبّ. فكانوا يأتونه ويقولون : يا محمّد راعنا ، ويضحكون. فعرفها رجل من الأنصار كان يعرف لغتهم ، فقال :
__________________
(١) كذا في د : «الهجر» وفي ق وع : «السّخري من القول».