يعمل بهذا ويدين الله به لقد هلك سليمان. فتعلّمه سفلة الناس من بني إسرائيل ، وقالوا : الملك خير منّا يتعلّم ما كنّا نتعلّم. وفشت اللائمة والقالة السيّئة لسليمان في بني إسرائيل حتّى عذره الله على لسان محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).
قوله : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) : وهذا الكلام موصول بما قبله. يقول : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ). واتّبعوا (ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ) يعني الفرقة بين المرء وزوجه.
قال بعض المفسّرين : إنّ السحر سحران : سحر تعلّمه الشياطين ، وسحر يعلّمه هاروت وماروت.
وقال الحسن : إنّ الملكين ببابل إلى يوم القيامة ، وإنّ من عزم على تعلّم السحر ثمّ أتاهما سمع كلامهما من غير أن يراهما ويلقاهما بالنظر.
ذكر مجاهد أنّ الملائكة عجبت من ظلم بني آدم وقد جاءتهم الرسل بالكتب فقال لهم ربّهم : اختاروا منكم اثنين أنزلهما يحكمان في الأرض ، فكانا هاروت وماروت. فحكما فعدلا حتّى نزلت عليهما الزّهرة في صورة أحسن امرأة تخاصم. فقالا لها : ائتنا في البيت. فكشفا لها عن عوراتهما وافتتنا بها. فطارت الزهرة فرجعت حيث كانت. ورجعا إلى السماء فزجرا فاستشفعا برجل من بني آدم ، فقالا له : سمعنا ربّك يذكرك بخير [فاشفع لنا] (١). فقال : كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ ثمّ واعدهما يوما يدعو لهما فيه. فدعا لهما. فخيّرا بين عذاب الدنيا وبين عذاب الآخرة. فنظر أحدهما إلى الآخر فقال : ألم تعلم أنّ أفواج (٢) عذاب الله في الآخرة كذا وكذا وفي الخلد أيضا؟ فاختارا عذاب الدنيا. فهما يعذّبان ببابل.
ذكروا عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال : كانت الزهرة امرأة جميلة معجبة ؛ فخاصمت إلى الملكين فراوداها فقالت : لا أفعل حتّى تعلّماني الاسم الذي إذا تكلّم به عرج إلى السماء. فعلّماها إيّاه ، فعرجت ، فمسخها الله كوكبا.
ذكروا عن ابن عبّاس في هاروت وماروت أنّه قال : أتتهما امرأة تخاصم إليهما ، فافتتنا بها ،
__________________
(١) زيادة يقتضيها سياق الكلام ، وهي موجودة في ز : ورقة ١٥.
(٢) كذا في المخطوطات الثلاث ق ، ع ، ود ، وفي ز «أفواج». وفي تفسير الطبري ج ٢ ص ٤٣٥ : «أنواع».