فادعوا الله لملككم بالصلاح والعافية. فانطلق أصف فدخل على نسائه ، فسألهنّ عنه ، فقلن : إن كان هذا سليمان فقد هلكنا وهلكتم. فخرج أصف إلى الناس فأخبرهم ، فدعوا الله ربّهم أن يكشف عنهم.
فلمّا رأت الشياطين الذي فيه الناس من الغفلة كتبوا سحرا كثيرا على لسان أصف ، ثمّ دفنوه في مصلّى سليمان وفي بيت خزانته وتحت كرسيّه ، وضربوا عنه. وفشا الاستنكار من الناس للشيطان (١) وانقضت أيّامه ، ونزلت الرحمة من الله لسليمان. فعمد الشيطان إلى الخاتم فألقاه في البحر. فأخذه حوت من حيتان البحر. وكان سليمان يؤاجر نفسه من أصحاب السفن ، ينقل السمك من السفن إلى البرّ ، على أنّ له سمكتين كلّ يوم. فأخذ سليمان في أجرته يوما سمكتين فباع إحداهما برغيفين ، وشقّ بطن الأخرى ، فجعل يغسلها ، فإذا هو بالخاتم. فأخذه ، والتفت إليه الملّاحون فعرفوه ، فأقبلوا إليه فسجدوا له. وتفسير السجود في سورة يوسف (٢). فقال : ما أحمدكم الآن على السجود ، ولا ألومكم على ما كنتم تفعلون. وذلك أنّه كان إذا أصابه الجهد استطعم وقال : أنا سليمان بن داود فيكذّبونه ويستخفّون به.
فأقبل سليمان إلى ملكه ، فعرفه الناس واستبشروا به ، وأخبرهم أنّه إنّما فعله به الشيطان. فاستغفر سليمان ربّه فقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٣٥) [ص : ٣٥].
فسخّر الله له الريح والشياطين ، وسخّر له الشيطان الذي فعل به ذلك الفعل ، واسمه صخر ، فأخذه سليمان فجعله في تخت من رخام ، ثمّ أطبق عليه ، وسدّ عليه بالنحاس ، ثمّ ألقاه في عرض البحر. فمكث سليمان في ملكه راضيا مطمئنّا حتّى قبضه الله إليه حميدا ، صلىاللهعليهوسلم. ثمّ أتت الشياطين إلى أوليائهم من الإنس فقالوا : ألا ندلّكم على ما كان سليمان يملك به الإنس ، وتدين له به الجنّ ، وتسخّر له الرياح؟ فقالوا : بلى. قالوا : احفروا في مصلّاه وبيت خزائنه وتحت كرسيّه. ففعلوا ، فاستخرجوا كتبا كثيرة مكتوبا [عليها] (٣) : «هذا ما عمل آصف للملك سليمان. فلمّا قرأوها إذا هي الشرك بالله. وقال صلحاء بني إسرائيل : معاذ الله أن نتعلّمه! ولئن كان سليمان
__________________
(١) في ق وع : «للشياطين» ، وفي القصّة اضطراب في بعض العبارات وأخطاء صحّحتها قدر المستطاع.
(٢) سيأتي تفسيره عند تفسير قوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠].
(٣) زيادة يقتضيها المعنى.