إليهم طوائف من صالحيهم فقالوا : يا قوم ، إنّكم قد انتهكتم حرمة سبتكم ، وعصيتم ربّكم ، وخالفتم سنّة نبيّكم ، فانتهوا عن هذا العمل الرديء من قبل أن ينزل بكم العذاب ؛ فإنّا قد علمنا أنّ الله منزل بكم عذابه عاجلا ونقمته. قالوا : فلم تعظوننا إن كنتم علمتم بهذا العمل منذ سنين منّا ، فما زادنا الله به إلّا خيرا ، وإن أطعتمونا لتفعلنّ كالذي فعلنا ؛ لأنّما حرّم هذا على من قبلنا. قالوا لهم : ويلكم لا تغترّوا ولا تأمنوا بأس الله فإنّه كأن قد نزل (١). قالوا : ف (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً). قال الذين آمنوا : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ). إمّا أن تنتهوا فيكون لنا أجر ، وإمّا أن تهلكوا فننجو من معصيتكم. قال الله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٥) [الأعراف : ١٦٤ ـ ١٦٥] ، يعني فسق الشرك. فأصبح الذين استحلّوا السبت قردة خاسئين (٢). وقال بعضهم : صاروا ثلاث فرق : فرقة اجترأت على المعصية ، وفرقة نهت ، وفرقة كفّت ولم تصنع ما صنعوا ولم تنههم ، فقالوا للذين نهوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤).
قوله : (قِرَدَةً خاسِئِينَ) والخاسئ الذي لا يتكلّم (٣) وقال بعضهم : فصاروا قرودا تعاوى لها أذناب بعد ما كانت رجالا ونساء. وقال الحسن : (خاسِئِينَ) : صاغرين.
قوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٦٦) : الذين بعدهم (٤).
__________________
(١) في ق وع ود : «كأنّه قد نزل» والصواب ما أثبت : «كأن قد نزل».
(٢) في ق وع ود : «وهم قردة خاسئين» كذا ، والصحيح ما أثبت.
(٣) كذا في ق وع ود : «الخاسئ : الذي لا يتكلّم». ولم أجد هذا التفسير لأحد فيما بين يدىّ من كتب اللغة والتفسير اللهمّ إلّا أن يكون معناه : الذي لا يتكلّم من الذلّ والصّغار والإبعاد. وهل يستروح هذا المعنى من قوله تعالى في سورة المؤمنون : ١٠٨ : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)؟.
(٤) سقط تفسير هذه الآية ولا شكّ من ق وع ود. فقد جاء في مخطوطة ز ما يلي : «(فَجَعَلْناها نَكالاً) أى : عبرة (لِما بَيْنَ يَدَيْها) قال قتادة : يعني لما سلف من ذنوبهم قبل أن يصيدوا الحيتان (وَما خَلْفَها) يعني ما بعد تلك الذنوب ، وهو أخذهم الحيتان. قال محمّد : والهاء التي في (فَجَعَلْناها) هي على هذا التأويل الفعلة. وقيل : المعنى جعلنا قرية أهل السبت نكالا لما بين يديها من القرى وما خلفها ليتّعظوا بهم». انظر ابن أبي زمنين مخطوطة ز ورقة ١١. وقال الفرّاء في معاني القران ج ١ ص ٤٣ : «يعني المسخة التي مسخوها جعلت نكالا ـ