قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) : والطور الجبل. (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) : أى ما أعطيناكم (بِقُوَّةٍ) : أى بجدّ. قال بعض المفسّرين : جبل كانوا بأصله ، فاقتلع الجبل من أصله فأشرف عليهم به ، فقال : لتأخذنّ أمري أو لأرمينّكم به. وفي تفسير بعضهم : لأرمينّكم به فلأقتلنّكم. وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
قوله : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) : أى ما في الكتاب ، يعني التوراة ، أى احفظوا ما فيه [واعملوا به] (١) (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٦٣) : أى لكي تتّقوا. ففعلوا.
قال : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : فنقضتم الميثاق (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) : بعد نقض الميثاق الأوّل حين اتّخذوا العجل ثمّ عفا عنهم بالتوبة التي أمرهم أن يقتلوا أنفسهم [بها] (٢) (وَرَحْمَتُهُ) : إذ لم يعجّل عليك بالعذاب (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦٤) : أى من المعذّبين.
قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥) : قال الكلبيّ : ذكر لنا أنّهم كانوا في زمان داود بأرض يقال لها أيلة (٣) وهو مكان من البحر تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد ، تأتيهم فيها حتى لا يروا الماء. وتأتيهم في غير ذلك الشهر كلّ يوم سبت كما تأتيهم في ذلك الشهر. قال بعض أهل التفسير : وذلك بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. قال الكلبيّ : فإذا جاء السبت لم يمسّوا منها شيئا. فعمد رجال من سفهاء تلك المدينة فأخذوا من الحيتان ليلة السبت (٤) ويوم السبت. فأكثروا منها وملّحوا وباعوا ، ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشروا وقالوا : إنّا نرى السبت قد حلّ وذهبت حرمته ، إنّما كان يعاقب به آباؤنا في زمان موسى ، ثمّ استنّ الأبناء سنّة الآباء ، وكانوا يخافون العقوبة ، ولو أنّهم فعلوا لم يضرّهم شيء. فعملوا بذلك حتى أثروا منه ، وتزوّجوا النساء ، واتّخذوا الأموال. فمشى
__________________
(١) انظر سبب نزول هذه الآية وقصّة أصحاب سلمان الفارسيّ وإسلامه هو في تفسير الطبري ج ٢ ص ١٥٠ ـ ١٥٤ ، وفي الدر المنثور للسيوطي ج ١ ص ٧٣.
(٢) زيادة لا بدّ منها يتطلّبها عائد الصلة : «بها» أو «فيها».
(٣) أيلة ، أيلات ، مدينة على بحر القلزم ، البحر الأحمر ، ممّا يلي الشام ، وهي آخر الحجاز وأوّل الشام ، انظر تعريفا بها وافيا في معجم البلدان لياقوت ج ١ ص ٢٩٢.
(٤) كذا في ق وع ود : «ليلة السبت» ، لعلّها «لليلة السبت ويوم السبت». أى ما يكفيهم للّيلة واليوم.