فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) [البقرة : ٧٥]. قال الحسن : هو ما حرّفوا من كلام الله.
قوله : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) : ذكروا أنّ مجاهدا قال : الغمام غير السحاب.
قال الكلبيّ : لّما سلكوا مع موسى أرض التيه والمفاز (١) ظلّل الله عليهم الغمام بالنهار ، يقيهم حرّ الشمس ، وجعل لهم بالليل عمودا من النار يضيء لهم مكان القمر ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى.
قال بعضهم : المنّ : صمغة (٢) تسقط عليهم من السماء. وكان ينزل عليهم المنّ في محلّتهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وكان أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ؛ فيأخذ أحدهم ما يكفيه يومه ، وإن تعدّى ذلك فسد ولم يبق عنده. حتّى إذا كان يوم سادسهم ، يعني يوم الجمعة ، أخذوا ما يكفيهم ذلك اليوم ويوم سابعهم ، يعني السبت ، فيبقى عندهم ، لأنّ يوم السبت إنّما كانوا يعبدون الله فيه ، لا يشخصون لشيء من الدنيا ولا يطلبونه. قال : والسلوى السّمانى ، طير (٣) إلى الحمرة كانت تحشرها عليهم الجنوب ، فيذبح الرجل ما يكفيه يومه ، فإن تعدّى ذلك فسد ولم يبق عنده ، إلّا يوم الجمعة فإنّهم كانوا يذبحون ليومهم والسبت.
قوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) : يعني بالطيّبات المنّ والسلوى (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧) : أى بمعصيتهم. وقال بعضهم : يضرّون أنفسهم. وقال بعضهم : ينقصون أنفسهم ، وذلك تعدّيهم في المنّ والسلوى.
قوله : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) : أى بيت المقدس (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) : أى لا حساب عليكم فيه. (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) : قال بعضهم : هو باب من
__________________
(١) كذا في المخطوطات ق ع ود : «المفاز» والكلمة صحيحة ، يقال : مفاز ومفازة للبرّيّة القفر ، وجمعها مفاوز.
(٢) كذا في ق وع ود : «صمغة» ولم أجد هذه اللفظة عند المفسّرين واللغويّين إلّا عند مجاهد وهي «ما ينضحه الشجر ويسيل منها» ، وأغلبهم قالوا : هو شيء كالطلّ ينزل من السماء ، وقالوا : هو «الترنجبين». انظر اللسان : (منن) ، وابن قتيبة ، تفسير غريب القرآن ص ٤٩.
(٣) كذا في المخطوطات الثلاث ق ع ود ، وفي ز : «طير إلى الحمرة» أى : يميل لونه إلى الحمرة.