ولترضونّ به. قالوا : نعم. قال : فأصبحوا في أفنية بيوتكم ، كلّ بني أب على حدتهم ، ففعلوا. فأمر موسى السبعين الذين لم يكونوا عبدوا العجل من بني إسرائيل أن يأخذوا السيوف ثمّ يقتلون من لقوا. ففعلوا ، فمشوا في العسكر ، فقتلوا من لقوا. فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ الرجل من بني إسرائيل كان يأتي قومه في أفنية بيوتهم جلوسا فيقول : إنّ هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف ، فاتّقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حلّ حبوته ، أو قام من مجلسه ، أو أحدّ إليهم طرفا ، أو اتّقاهم بيد أو رجل ، فيقولون : آمين. فجعلوا يقتلون من لقوا. ثمّ نزلت الرحمة من الله فرفع عنهم السيف وتاب الله عليهم. [وذلك قوله] (١) (فَتابَ عَلَيْكُمْ ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). وكانت قتلاهم ـ فيما بلغنا ، والله أعلم ـ سبعين ألفا.
وقال بعض المفسّرين : أمروا أن ينتحروا بالشّفار. فلمّا بلغ الله فيهم نقمته سقطت الشّفار من أيديهم ، فكان للمقتول شهادة ، وللحيّ توبة.
قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) : أى لن نصدّقك. (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) : أى عيانا (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٥) : يعني أنّهم أميتوا عقوبة ثمّ بعثوا ليستكملوا بقيّة آجالهم.
وقال الكلبيّ : بلغني أنّهم هم السبعون الذين اختار موسى من قومه فذهبوا معه إلى حيث كلّمه ربّه ، فقالوا : يا موسى ، لنا عليك حقّ ؛ كنّا أصحابك ، لم نختلف ولم نصنع الذي صنع قومنا ، فأرنا الله جهرة كما رأيته أنت. فقال لهم موسى : ما رأيته ، ولا كانت مسألتي إيّاه أن أنظر إليه بالمجاهرة كما سألتم. وتجلّى للجبل فصار دكّا ، وخررت صعقا ، فلمّا أفقت سألت الله واعترفت بالخطيئة. فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم. فظنّ موسى أنّما احترقوا بخطيئة أصحاب العجل فقال موسى لربّه : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥]. [(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦):] فبعثهم الله من بعد موتهم لعلّهم يشكرون. أى : لكي يشكروا الله. فلمّا قدم نبيّ الله المدينة ، فكلّمته اليهود ، ودعاهم إلى الله وإلى كتابه ، فكذّبوه وجحدوه ، أنزل الله (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.