وقد انقدح ممّا ذكرناه : أنّ ما ادّعاه الشّيخ الأنصاري قدسسره في مقام تأسيس : من حرمة التّعبّد بالظّن الّذي لم يدلّ
على وقوع التّعبّد به دليل ، لا يرد عليه ما عن الإمام الرّاحل قدسسره من أنّ البحث عن حرمة التّعبّد بالظّنّ تكليفا لا يناسب مع
تقرير الأصل في المسألة الاصوليّة ؛ إذ أشرنا آنفا إلى أنّ غرضه قدسسره نفي الحجّيّة عند الشّكّ ، بإثبات الحرمة بالأدلّة الأربعة
، من باب البرهان اللّمي ، ولعلّ هذا النّوع من البحث هنا مبنيّ على ما بناه قدسسره في الأحكام الوضعيّة من عدم كونها مجعولة ـ وضعا ورفعا ـ ابتداء
، بل تكون منجعلة بجعل الأحكام التّكليفيّة ، ومنتزعة عنها ؛ ولذا قال قدسسره : بثبوت الحجّيّة بجواز الاستناد والإسناد وعدمها
بحرمتهما.
نعم ، يرد على الشّيخ الأنصاري قدسسره أنّ الأدلّة الأربعة الّتي أقامها على حرمة التّعبّد
بالظّنّ ، من الكتاب والسّنّة والإجماع والعقل كلّها ، غير تامّة عدا الأخير.
أمّا الكتاب ، فقد اكتفى قدسسره بذكر آية الافتراء في قوله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ
تَفْتَرُونَ) بتقريب : أنّها دلّت على أنّ ما ليس بإذن من الله تعالى ،
كإسناد الحكم إلى الشّارع ، فهو افتراء.
وأنت ترى ، أنّ
الافتراء لا يصدق إلّا في مورد كان إسناد الحكم إلى الشّارع كذبا ، نظير الإسناد
إليه مع العلم بأنّ الحكم ليس من الله تعالى ، وأمّا الإسناد مع الجهل به ، كما في
مورد التّعبّد بالظّنّ ، فهو ليس بافتراء قطعا.
__________________