وبعبارة اخرى : الافتراء ليس مطلق إسناد الشّيء إلى الشّارع ولو مع عدم العلم بأنّه منه ، بل هو إسناد خصوص ما علم أنّه ليس منه ؛ إذ المراد من الإذن في الآية هو الإذن الواقعي ، فلا مناص من أن يراد بالافتراء بقرينة المقابلة هو ما ليس فيه إذن ، أو ما علم عدم الإذن فيه واقعا ، وهذا أجنبيّ عن مورد المشكوك حجّيّته وهو التّعبّد بالظّنّ ؛ بداهة ، أنّه ممّا يحتمل وجود الإذن فيه واقعا ، فليس في مورده افتراء.
نعم ، لو كان المراد من الإذن هو الإذن الواصل إلى المكلّف ، فالافتراء يصدق في مورد الشّكّ في الحجّيّة ، لصدق عدم وصول الإذن مع الشّكّ.
هذا ، ولكنّ الالتزام الجزميّ والاستناد القطعيّ مع الشّكّ أمر مستحيل عقلا ، فلا يكون حراما ؛ إذ الحركة ، كالوجوب منوطة بالاختيار والإرادة ، كما أشار إليه الإمام الرّاحل قدسسره. (١)
وهنا آيات آخر (٢) ، ربما يستدلّ بها على حرمة التّعبّد بالظّنّ ، ولكنّ الإنصاف ، أنّ تلك الآيات إرشادات إلى ما سيجيء من حكم العقل ، كما تفطّن به السّيّد البروجردي قدسسره حيث قال : «فليس مضمون الآيات إلّا نفس ما دلّ عليه العقل ، وليست الآيات دليلا مستقلّا في قباله» (٣).
وأمّا السّنة ، فقد اكتفى قدسسره (٤) ـ أيضا ـ بذكر حديث القضاء ، كقول
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٥٨.
(٢) سورة النّجم (٥٣) ، الآية ٢٨ ؛ سورة الإسراء (١٧) ، الآية ٣٦.
(٣) نهاية الاصول : ص ٤٦٤.
(٤) راجع ، فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١٢٦.