وفيه : أنّ هذا الاتّفاق لو ثبت لكان نافعا ، لكنّه لم يثبت ، كيف ، وقد اتّفق الأخباريّون على أنّ الحكم الظّاهريّ في تلك الموارد هو وجوب الاحتياط ، لا الإباحة.
هذا تمام الكلام في الاستدلال على البراءة بالإجماع.
(الاستدلال بالعقل)
أمّا العقل ، فتقريب دلالته على البراءة عند الشّكّ في التّكليف ، هو أنّه حكم بقبح العقوبة على مخالفة ما لم يرد فيه بيان من ناحية الشّرع ، وهذا هو المسمّى بقاعدة «القبح بلا بيان».
ولا يخفى : أنّ تلك القاعدة تامّة مسلّمة عند الكلّ ، بناء على القول بالحسن والقبح العقليّين ، كما عليه الإماميّة والمعتزلة ؛ إذ الغرض من البعث والزّجر هو الانبعاث والانزجار.
وواضح ، أنّهما لا يتأتّيان بلا وصول التّكليف ، وبلا علم بالبعث والزّجر ، فلا مجال عقلا للعقاب على عدم الانبعاث والانزجار حينئذ.
وإن شئت ، فقل : إنّ الباعث والزّاجر إنّما هو التّكليف الواصل إلى العبد ، لا الصّادر من المولى غير الواصل إليه ، فإذا لم يصل إليه وترك التّكليف ، لم يكن ذلك مستندا إلى تقصير من العبد حتّى يحسن عقابه ، بل هو مستند إلى عدم وصول التّكليف إليه وعدم قيام الحجّة عليه ، فيقبح عقابه حينئذ بلا كلام ، أو فقل : إنّ العبد يكون مسئولا بالنّسبة إلى التّكليف بوجوده العلميّ ، لا بوجوده الواقعيّ ، وهذا من أوضح أحكام العقل عند الكلّ حتّى الأخباريّ.