وأمّا المحذور الّذي أشرنا إليه وهو نقض الغرض ، فقد عرفت تقريبه وتفسيره بما حاصله : أنّ المفروض في الأوامر والنّواهي تعلّق الإرادة الجدّيّة بإيجاد الفعل وإعدامه ، فلو ورد الأمر من ناحية الشّارع بالتّعبّد بالأمارة المفضية إلى خلاف الواقع ، لزم نقض الغرض المستحيل حتّى عند الأشعريّ المنكر للحسن والقبح العقليّ.
هذه هي المحاذير المتوهّمة وتفاسيرها ، فلنشرع الآن في دفعها :
فنقول : يقع الكلام في مقامين :
الأوّل : في دفع المحاذير على مبنى انسداد باب العلم.
الثّاني : في دفعها على مبنى انفتاحه.
أمّا الأوّل : فبناء على المختار في باب الأمارات من كونها حجّة على وجه الطّريقيّة المحضة ، تندفع المحاذير كلّها البتّة ؛ إذ على هذا الوجه لا حكم إلّا الواقع ولا ملاك إلّا ملاكه فقط ، ليس وراءه حكم آخر ، وليس وراء ملاكه ملاك آخر ، وعليه ، فلا مجال للزوم أيّ محذور من المحاذير المتقدّمة ، لا تحريم الحلال ولا تحليل الحرام ولا اجتماع المثلين عند الإصابة أو الضّدّين أو النّقيضين عند الخطاء ولا لزوم الحكم بلا ملاك.
وإن شئت ، فقل : إنّ الأمر في باب الأمارات ووجوب العمل على طبقها يكون طريقيّا ، لا شأن له إلّا حفظ الواقع ، كما لا شأن لنفس الأمارة إلّا كشف الواقع والحكاية عنه. غاية الأمر ، تكون منجّزة للواقع على المكلّف عند الإصابة ، ومعذّرة عند الخطاء من دون أن يكون هناك ملاك آخر وراء ملاك الواقع مقتض لحكم آخر من المولى قبال الواقع ، فإذا لا يلزم المحاذير المتقدّمة ، كما هو واضح.