الى هنا يتسق الموضوع .. فقد طلب النبي صلىاللهعليهوآله الحماية لتبليغ رسالة ربه على سنة الله تعالى في من مضى من الأنبياء عليهمالسلام وحصل عليها من الأنصار ، ونصره الله تعالى وهزم أعداءه من المشركين واليهود ، وشملت دولته شبه الجزيرة العربية واليمن والبحرين وساحل الخليج ، وامتدت الى أطراف الشام ، وصار جيش الإسلام يهدد الروم في الشام وفلسطين .. وها هو صلىاللهعليهوآله في السنة العاشرة يودع المسلمين في حجة الوداع ، ويتلقى سورة المائدة ويتلقى فيها آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس !!
فما عدا مما بدا ، حتى نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ ، وصار النبي صلىاللهعليهوآله الآن وهو قائد الدولة القوية ، بحاجة الى حماية وعصمة من الناس !!
إن الباحث ملزمٌ هنا أن يستبعد حاجة النبي صلىاللهعليهوآله الى الحماية المادية ، لأن الله تعالى أراد أن تجري بالأسباب الطبيعية ، ووفرها على أحسن وجه .. فلا بد أن تكون العصمة في الآية من نوع الحماية المعنوية .
والباحث ملزمٌ ثانياً ، أن يفسر الأمر بالتبليغ في الآية بأنه تبليغُ موضوعٍ ثقيلٍ على الناس .. وأن يفسر الناس الذين يثقل عليهم ذلك بالمنافقين من المسلمين ، لأنه لم يبق أمرٌ ثقيلٌ على الكفار إلا وبلغه لهم ، كما أنه لم يبلغهم أمراً بارزاً بعد نزول الآية .
وبهذا لا يبقى معنى للعصمة النازلة من عند الله تعالى ، إلا العصمة من الطعن في نبوته ، إذا بلغهم أن الحكم من بعده في أهل بيته صلىاللهعليهوآله .
فبذلك فقط يتسق معنى الآية ويكون معناها :
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ : إنما أنت رسول مبلغ ، ولست مسؤولاً عن النتيجة وما يحدث ، بل هو من اختصاص ربك تعالى .
بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ : وأمرك به جبرئيل في علي ، وحاولت تبليغه مرات في حجة الوداع ، فشوش المنافقون عليك .