الولاية بالوراثة من أسلافها ، دعوى ، أو ظهرت عليها خوارق ، استدارجا ، مع إصرارها على كبائر العيوب ، ومنها : نفس وصلت إلى الأولياء وصحبتهم ، وخرجت عنهم قبل كمال التربية ، وتصدرت للشيخوخة قبل إبانها ، ومنها : نفس حمت ظهرها من التجريد ، ووفرت جاهها مع العبيد ، وادعت كمال التوحيد وأسرار التفريد ، لمجرد مطالعة الأوراق ، من غير صحبة أهل الأذواق ، وهؤلاء بعداء من حيث يظنون القرب ، مردودون من حيث يظنون القبول ، والعياذ بالله من الدعوى وغلبة الهوى ، فإذا قيل لهؤلاء : تعالوا إلى من يعرفكم بربكم ، ويخرجكم من سجن نفوسكم ، قالوا : نتبع ما وجدنا عليه أسلافنا ، فيقال لهم : أتتبعونهم ولو كانوا جاهلين بالله؟
ثم نهى الله تعالى أهل التحقيق عن التعرض لمثل هؤلاء بعد نصحهم ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥))
قلت : (عليكم) : اسم فعل ، وفاعله مستتر فيه وجوبا ، و (أنفسكم) : مفعول به على حذف مضاف ؛ أي : الزموا شأن أنفسكم. قاله الأزهرى.
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) : احفظوها والزموا صلاحها ، (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أنتم ، أي : لا يضركم ضلال غيركم إذا كنتم مهتدين ؛ ومن الاهتداء أن ينكر المنكر حسب طاقته ، قال صلىاللهعليهوسلم : «من رأى منكم منكرا ، واستطاع أن يغيره بيده ، فليغير ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه». والآية نزلت حيث كان المؤمنون يحرصون على الكفرة ، ويتمنون إيمانهم ، وقيل : كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك ، فلاموه ، فنزلت.
وعن أبى ثعلبة الخشني قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)؟
فقال : «ائتمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، فإذا رأيت دنيا مؤثرة ، وشحا مطاعا ، وإعجاب كلّ ذى رأى برأيه ، فعليك بخويصة نفسك ، وذر عوامهم ؛ فإنّ وراءكم أيّاما ، العامل فيها كأجر خمسين منكم» (١).
وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه بلغه أن بعض الناس تأول الآية على أنه لا يلزم معها أمر ولا نهى ، فصعد المنبر ، فقال : (يا أيها الناس : لا تغتروا بقول الله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) فيقول أحدكم : علىّ نفسى ، والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب). وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال : (ليس هذا بزمان هذه الآية ، قولوا الحق ما قبل منكم ، فإذا ردّ عليكم فعليكم أنفسكم).
__________________
(١) أخرجه الترمذي فى : (التفسير ، باب : ومن سورة المائدة) وابن ماجه فى (الفتن ، باب قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) وأبو داود فى (الملاحم باب الأمر والنهى) وصححه الحاكم فى المستدرك ٤ / ٣٢٢ ووافقه الذهبي.