الإشارة : تفكر الاعتبار يشد عروة الإيمان ، وفكرة الاستبصار تشد عروة الإحسان. قال فى الحكم : «الفكرة فكرتان : فكرة تصديق وإيمان ، وفكرة شهود وعيان. فالأولى : لأهل التفكر والاعتبار ، والثانية : لأهل الشهود والاستبصار». ومرجع الاعتبار إلى خمسة أمور :
الأول : التفكر فى سرعة انصرام الدنيا وانقراضها ، وذهاب أهلها. قرنا فقرنا ، وجيلا فجيلا. فيوجب ذلك الزهد فى الدنيا ، والإعراض عن زخارفها الغرارة ، والتأهب للدار الباقية.
الثاني : التفكر فى الدار الباقية ، ودوام نعيمها ، أو عذابها. وذلك مرتب على السّعى فى هذه الدار ، فيوجب ذلك انتهاز الفرصة فى الأعمال ، واغتنام الأوقات والساعات قبل الفوات.
الثالث : التفكر فى النعم التي أنعم الحق ـ تعالى ـ بها على الإنسان ؛ إما ظاهرة ؛ كالعافية فى البدن ، والرزق الحلال ، وما يتبع ذلك مما لا يحصى ؛ قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١). وإما باطنة : كنعمة الإسلام والإيمان ، وصحيح العرفان ، والاستقامة فى الدين ، ولا سيما إن رزقه الله من يأخذ بيده من شيخ عارف. فهذه نعمة عظمى قلّ من يسقط عليها. فيوجب له ذلك الشكر الذي هو أعلى المقامات ، ومتكفّل بالزيادات ، قال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (٢) .. ولا يعرف العبد ما عليه من النعم إلا بالتفكر فى أضدادها ، والنظر إلى أهل البلاء.
الرابع : التفكر فى عيوبه ومساوئه ، لعله يسعى فى تطهيرها ، أو يشتغل بها عن عيوب غيره.
الخامس : التفكر فيما أظهر الله تعالى من أنواع المكونات ، وضروب المصنوعات ؛ فيعرف بذلك جلالة الصانع ، وعظيم قدرته ، وإحاطة علمه ، وحكمته. فإن اتصل بشيخ عارف غيّبه عنها بشهود مكونها.
وبالله التوفيق. وهو الهادي إلى سواء الطريق.
__________________
(١) من الآية ٣٤ من سورة إبراهيم ..
(٢) من الآية ٧ من سورة إبراهيم.