وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها. ثم قال : فالمراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح. ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع فى طاعة الله.» والمعنى : أكمل علما وعملا. ه.
قال المحشى : ويتجه كون المعنى : أيكم أكثر شكرا لله على تمهيد تلك المنافع والمصالح. والشكر يشمل الطاعات القلبية والبدنية. ويحتمل أنه كآية : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١). وأن بقاء الدنيا وخلقها إنما هو للتكليف ، فإذا لم يبق فى الأرض من يعبد الله انقضت الدنيا ، وجاءت الساعة ، كما تقتضيه الأحاديث الصحاح (٢) والمتبادر ما قدمناه ، وحاصله : أنه خلق الأشياء من أجل ابن آدم ، ولتدله على خالقه فيجنى بها ثمار معرفته تعالى ، ويعترف بشكره ، وإفراد عبادته. وقد جاء. «خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلى».
قلت : فيكون المعنى : هو الذي أظهر الوجود من عرشه إلى فرشه ، ليختبركم أيكم أحسن عملا بالاشتغال بالله ، والعكوف فى حضرته دون الوقوف مع ظاهر الكون ، والاشتغال بحسه ، مع كونه خلق من أجله. ثم قال : وقوله تعالى : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ...) الآيه ، هو : تنبيه على أن إنكار الكفار للبعث بعد إقرارهم بأن الله تعالى خالق العالم ، الذي هو أعظم من البعث ، تناقض منهم ؛ لأن إقرارهم بقدرته على الأكبر ، ثم إنكارهم لما هو أيسر تناقض ه أي : ولئن ذكرت لهم البعث بعد الموت لقالوا ما هذا إلا سحر ظاهر. أي : ما البعث أو القول به ، أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر فى الخديعة أو البطلان. وقرأ حمزة ساحر أي : القائل بهذا. والله تعالى أعلم.
الإشارة : فى صحيح البخاري قال صلىاللهعليهوسلم : «كان الله ولا شىء معه ، وكان عرشه على الماء» الحديث. فأخبر صلىاللهعليهوسلم أن الحق جل جلاله كان فى أزله لا شىء معه ، ثم أظهر الأشياء من نوره بنوره لنوره ، فهو الآن على ما كان عليه. وعن أبى رزين : قلنا : يا رسول الله! أين كان ربّنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال : «كان فى عماء ما فوقه هواء ، وما تحته هواء ، وخلق عرشه على الماء» (٣) والعماء هو : الخفاء ، قال تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) (٤) ، أي : خفيت. ويقال للسحاب عماء ؛ لأنه يخفى ما فيه ، وقال الششترى : فى المقاليد (٥) : كان فى عمى ، ما فوقه هواء وما تحته هواء. هى الوحدة المصمتة الصّمدية ، البحر الطامس (٦) الذي هو الأزل والأبد ، فلم يكن موجود غير الوجود الذي هو هو. ه.
__________________
(١) الآية ٥٦ من سورة الذاريات.
(٢) ومنها قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض : الله الله». أخرجه مسلم (كتاب الإيمان ، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان).
(٣) أخرجه الترمذي فى سننه ، (كتاب تفسير القرآن ، باب : ومن سورة هود) ، وحسنه. وأخرجه ابن ماجه (المقدمة ، باب فيما أنكرت الجهمية). قلت : وهذا من حديث الصفات. نؤمن به ونكل علمه إلى الله تعالى.
(٤) من الآية : ٦٦ من سورة القصص.
(٥) اسمه كاملا : المقاليد الوجودية فى أسرار الصوفية.
(٦) يقال : طريق طامس ، أي : بعيد لا مسلك فيه.