يقول الحق جل جلاله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) فى القعود ، (وَلا تَفْتِنِّي) ؛ ولا توقعنى فى الفتنة ، أي : فى العصيان والمخالفة ، بأن تأذن لى ، وفيه إشعار بأنه لا محالة متخلف ، أذن أو لم يأذن ، أو فى الفتنة ؛ بسبب ضياع المال والعيال ؛ إذ لا كافل لهم بعدي ، أو فى الفتنة بنساء الروم ، كما قال الجدّ بن قيس : قد علمت الأنصار أنى مولع بالنساء ، فلا تفتنى ببنات بنى الأصفر ، ولكنى أعينك بمال ، واتركني.
قال تعالى : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي : إن الفتنة هى التي سقطوا فيها ، وهى فتنة الكفر والنفاق ، لا ما احترزوا عنه ، (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) ، أي : دائرة بهم يوم القيامة ، أو الآن ؛ لأن إحاطة أسبابها بهم كوجودها ، ومن أعظم أسبابها : بغضك وانتظارهم الدوائر بك.
(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) ؛ كنصر أو غنيمة فى بعض غزواتك ، (تَسُؤْهُمْ) ؛ لفرط حسدهم وبغضهم ، (وَإِنْ تُصِبْكَ) فى بعضها (مُصِيبَةٌ) ؛ ككسر أو شدة كيوم أحد ، (يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) أي : يتبجحوا بتخلفهم أو انصرافهم ، واستحمدوا رأيهم فى ذلك ، (وَيَتَوَلَّوْا) عن متحدّثهم ومجمعهم ، أو عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (وَهُمْ فَرِحُونَ) مسرورون بما صنعوا من التخلف عن الجهاد.
الإشارة : ومن ضعفاء اليقين من يستأذن المشايخ فى البقاء مع الأسباب وفتنة الأموال ، ويقول : لا تفتنى بالأمر بالتجريد ، فإنى لا أقدر عليه ، ويرضى بالسقوط فى فتنة الأسباب والشواغل ، فإن ضم إلى ذلك الإنكار على أهل التجريد ، بحيث إذا رأى منهم نكبة أو كسرة من أجل التجريد ، والخروج عن عوائد الناس وما هم عليه ، فرح ، وإذا رأى منهم نصرا وعزا انقبض ، ففيه خصلة من النفاق ، والعياذ بالله.
ثم رد عليهم ، بقوله :
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣))