والإرشاد والدلالة على الله ، أينما حلوا من البلاد ، أولئك بعضهم أولياء بعض فى العلوم والأسرار ، وكذلك فى الأموال. فقد قال بعض الصوفية : (الفقراء : لا رزق مقسوم ، ولا سر مكتوم). وهذا فى حق أهل الصفاء من المتحابين فى الله.
والذين آمنوا ولم يهاجروا هم أهل الأسباب من المنتسبين ، قد نهى الله عن موالاتهم فى علوم الأسرار وغوامض التوحيد ؛ لأنهم لا يطيقون ذلك ؛ لشغل فكرتهم بالأسباب أو بالعلوم الرسمية ، نعم ، إن وقعوا فى شبهة أو حيرة ، وجب نصرهم بما يزيل إشكالهم ، لئلا تقع بهم فتنة أو فساد كبير فى اعتقادهم. والله تعالى أعلم.
ثم أثنى على المهاجرين والأنصار ، فقال :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤))
قال البيضاوي : لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام ، ـ أي : مهاجرين ، وأنصار ، ومن آمن ولم يهاجر ـ بيّن أن الكاملين فى الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم ، بتحصيل مقتضاه من الهجرة ، والجهاد ، وبذل المال ، ونصرة الحق ، ووعد لهم الوعد الكريم ، فقال : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ؛ لا تبعة له ، ولا فتنة فيه. ثم ألحق بهم فى الأمرين من يلتحق بهم ويتسم بسمتهم فقال :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ...)
أي : من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار. ه.
ثم نسخ الميراث المتقدم ، فقال :
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
يقول الحق جل جلاله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) من قرابة النسب ، (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فى التوارث من الأجانب ، وظاهره : توريث ذوى الأرحام ، كالخال والعمة وسائر ذوى الأرحام ، وبه قال أبو حنيفة ، ومنعه مالك ، ورأى أن الآية منسوخة بآية المواريث التي فى النساء ، أو يراد بالأولية : غير الميراث ، كالنصرة وغيرها. وقوله : (فِي كِتابِ اللهِ) أي : فى القرآن ، أو اللوح المحفوظ. (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) من أمر المواريث وغيرها ، أو عليم بحكمة إناطتها بنسبة الإسلام والمظاهرة أولا ، وبالقرابة ثانيا ، والله تعالى أعلم.